ما مجنون إلا وله عاقل ؟! بقلم : د. حسين المناصرة

ما مجنون إلا وله عاقل ؟! بقلم : د. حسين المناصرة

تاريخ النشر : 2013-07-09


ما مجنون إلا وله عاقل ؟!
بقلم : د. حسين المناصرة
كثيرًا ما سمعت-أيام المدرسة في مسقط رأسي - هذا المثل الشعبي"ما مجنون إلا وله عاقل" ؛ عندما ينشب خلاف بين بعض الناس . وقد يردد بعض الوسطاء في حل المشكلة أو الخصام عبارات تكشف عن استحالة وجود حل بين المتخاصمين أو المتحاربين... حينئذ قد تنطلق هذه الحكمة الشعبية من أفواه بعض العجائز الحكماء؛ لتؤكد أنّ المجانين المتحاربين، لا بدّ أن يكون لهم عاقلون يمسكونهم من آذانهم !!أي يوجد لكل مجنون عاقل يشده بالحبل حقيقة أو مجازًا...لأن الحبل إذا ترك على غاربه لهؤلاء المجانين مجازًا، عاثوا في الأرض فسادًا وإفسادًا، و"جعلوا عاليها واطيها" كما يقال!!
لم أقل: إن ما يحدث في مصر هو حالة من حالات الجنون ، ولا أريد أن أقول أيضًا هو حالة ديمقراطية مجنونة، أو من حق الناس أن تعبر عن آرائها !! ما ينبغي قوله هو أن قرار فتح الشوارع والساحات للمتظاهرين من الطرفين ، وكذلك للعملاء والمندسين وأصحاب المصالح والفلول وغيرهم ، هو الجنون بعينه ... لأن السؤال المطروح: وماذا بعد كل هذه المظاهرات ، والأصوات ، والاشتباكات الصغيرة ، والموت والإصابات هنا وهناك ، واللعبة السياسية التي لا تريد أن تنتهي حالة الفوضى ؟!
أين العقلاء ؟! لا نريد حكم المرشد!! ولا نريد حكم العسكر؟! ولا نريد حكم العلمان؟! ولا حكم الفلول !! ولا حركة الإنقاذ ، ولا حركة تمرد!! ولا اليمين ، ولا اليسار ، ولا الوسط ؟! ولا شرعية صناديق الانتخابات !! ولا شرعية الشارع ؟ فماذا نريد إذن؟! أن نحقق حلم أعدائنا؟!
خمسة عشر مليونًا للمعارضة وحركة تمرد وشرعية الشارع في الشارع!! وخمسة عشر مليونًا للإخوان وشرعية صناديق الانتخابات في الشارع ؟! هكذا غدا الشارع المصري لا يقتصر على نهر النيل المهدد بالتجفيف الأثيوبي فحسب ، وإنما فيه الآن شارعان كارثيان: شارع الزيت(الإنقاذ وتمرد) .. وبجانبه شارع النار( الإخوان) !! فهل المطلوب أن تحترق مصر باحتراق هذين الشارعين الكارثيين ...؟! تآمريًا هذا هو المطلوب !! لننظر إلى دول الطوق التي تحيط بفلسطين المحتلة :
لبنان وما أدراك ما لبنان ؟! كله غدا في دائرة الجنون،أحزاب وطوائف وتراث من الاقتتال، وحزب الله بإمكانه أن يتكفل بحرق لبنان وشعب لبنان بنفط إيران وشعائرها!!
العراق وما أدراك ما العراق؟! كله على منحدر الهاوية... ثلاث دويلات أو أربعة متناحرة!! والمالكي صار يصدر الإرهاب الطائفي إلى سوريا والعالم!!
سوريا وما أدراك ما سوريا!! فقد نكّل بها شبيحة الأسد وحلفاؤهم المجرمون( وبالذات حزب الله) ... وغدا التطهير العرقي فيها مستباحًا!! والطائفية النصيرية تلتهم كلّ شيء ، والتقسيم إلى الدويليات يكاد أن يتحقق في ظل مقولة " الأسد إلى الأبد !!
أما الأردن فهو مصحة المنكوبين ، ومخرج للحاربين من الحروب والدمار، وتكوم الناس كأنهم في زمكانية الحشر !!
بل إن الفلسطينيين الذين انتكبوا بالاحتلال الصهيوني ، ولم يكن لديهم سوى وحدتهم الوطنية من أجل الصمود على أرضهم؛ شتتهم "اتفاقيات أوسلو" وجعلتهم "حيص بيص"، وجعلت قياداتهم نطيحة ومتردية!!
لم يبق غير مصر في الطوق بلا حروب أو فتن ؟! هل جاء دورك كي يأكلوك كما أكلوا الثور الأبيض ، وكل الثيران قبلك؟!
هل هذا ربيعنا العربي ؟! أم هو الفوضى غير الخلاقة ؟ أم هو ربيع إسرائيل التي تسعى إلى السيطرة على منابع النيل ، كما سيطرت على منابع الفرات ؟! هل هي خريطة من النيل إلى الفرات ؟! أم هذا كله مخاض ما قبل الانتصار على الدكتاتوريات والظلم ، ومن ثمّ لا بدّ من أن تتحرر فلسطين؟!
إلى أين ستودي بأمتنا العربية ولاية الفقيه الإيرانية ، وولاية المرشد الإخوانية؟!
هل ستبقى الشوارع مسكونة بالخطابات ..والتحريض ..والفوضى ... والمؤامرات... والفتن الأهلية ؟!
كان ينبغي على الجميع أن يخلوا الشوارع، ويعودوا إلى بيوتهم !! ثم على عقلاء المجانين أن يضعوا حلًا مناسبًا لهذه المسألة الكارثية المدمرة إن استمرت على هذا النحو أو غيره ، مما يفضي إلى التهاب الشارع المصري وفضائحيته!! وحينئذ قد يجهض الوضع العربي السياسي إلى عشرين سنة قادمة!!