مسلمو فرنسا واجهاض الحقوق... اثارة النزعات العنصرية مثالا
شبكة النبأ: تحديات كبيرة ومشاكل متزايدة تعاني منها الجالية المسلمة في فرنسا والتي تعد الأكبر في أوروبا وتضم نحو ستة ملايين مسلم، ويخشى المسلمون في هذه البلاد من اتساع الأعمال المعادية للإسلام التي تقوم بها بعض الجماعات المتطرفة والتي ازدادت بشكل خطير في الفترة الأخيرة، وهو ما قد ينذر باندلاع أعمال عنف خطيرة بحسب بعض المراقبين الذين أكدوا ان هنالك من يسعى الى إثارة النزعة العنصرية في المجتمعات الأوربية من خلال ربط الإسلام ببعض الإعمال الإرهابية في سبيل تضليل الرأي العام الفرنسي وتأجيج مشاعر العداء تجاه المسلمين، وفي هذا الشأن اظهر استطلاع راي اعتبره بعض علماء الاجتماع "مثيرا للقلق"، ان 60 بالمئة من الفرنسيين يرون ان تأثير الإسلام ومظاهره في فرنسا "مفرطان" في حين يرى 43 بالمئة من المستطلعين ان مسلمي فرنسا يشكلون "تهديدا" لهوية البلاد. وبشان تأثير الإسلام ومظاهره، أعرب 35 بالمئة من العينة عن لامبالاتهم بالأمر في حين قال 5 بالمئة انهما "لا ينالان الأهمية الكافية"، بحسب استطلاع لمعهد ايفوب لفائدة صحيفة لوفيغارو اليمينية.
واظهر الاستطلاع ان 43 بالمئة يعتبرون ان مسلمي فرنسا يشكلون "تهديدا على الأرجح" على هوية فرنسا في حين لا يرى 40 بالمئة فيهم اي تهديد ورأى 17 بالمئة ان المسلمين يمثلون عنصر اثراء ثقافي. وفي الاجمال اعتبر 67 بالمئة (مقابل 33 بالمئة) ان المسلمين وذوي الاصول المسلمة ليسوا مندمجين بشكل جيد في المجتمع الفرنسي. وقال 68 بالمئة من المستجوبين ان سبب ذلك رفض المسلمين الاندماج في حين رد 52 بالمئة سوء الاندماج الى "اختلافات ثقافية كبيرة جدا".
وعلق رافييل ليوجييه المتخصص في علم الاجتماع وصاحب كتاب حول اسطورة الاسلمة "ان اخطر ما تضمنه الاستطلاع هو ال 68 بالمئة من الفرنسيين الذين يعتبرون ان الخطا يقع على المسلمين في سوء الاندماج". واضاف ان نسبة هؤلاء كانت 61 بالمئة قبل عامين "وهذا يعني ان الرهاب ازاء الاسلام في تزايد" مشيرا الى انه "من خلال تصريحهم بذلك فان الفرنسيين يفترضون نية مبيتة (من المسلمين) ويهملون العوامل الاقتصادية والاجتماعية". بحسب فرنس برس.
وشدد ليوجييه "هذا امر في منتهى الخطورة" لانه قد يؤدي الى تحول اشخاص مهزوزين الى "ابطال معزولين" من "الحضارة الاوروبية" والانخراط في العنف. واضاف ان ظهور قاتل في فرنسا شبيه باندرس بريفيك الذي قتل 77 شخصا في النروج في 22 تموز/يوليو 2011 باسم التصدي للتعددية الثقافية، امر ممكن. وانجز الاستطلاع على عينة من 1736 فوق 18 عاما، بين 15 و18 تشرين الاول/اكتوبر 2012.
منع بناء مسجد
في السياق ذاته تمكن عشرات الناشطين من اليمين المتطرف من السيطرة على ورشة بناء لمسجد في مدينة بواتييه الواقعة في وسط فرنسا تعبيرا عن رفضهم لبناء المسجد هناك، ما دفع الحكومة الى وصف هذا العمل ب"الاستفزاز الحاقد". وتمكن نحو سبعين شخصا من دخول المكان الذي هو عبارة عن بناء رمادي كبير له مئذنة ويقع في ضاحية بوكسيرول التابعة لمدينة بواتييه. وبعدما صعدوا الى سطح المسجد وضعوا لافتة تحمل اسم تنظيمهم "جيل الهوية". وتنشر هذه المجموعة على موقعها على الانترنت صورة للقائد التاريخي الفرنسي شارل مارتيل "الذي اوقف تقدم العرب في بواتييه قبل 1300 سنة".
وعند الظهر وافق المتظاهرون على الانسحاب من المكان، الا ان الشرطة اعتقلت ثلاثة من الذين اعتبروا من منظمي هذا التحرك. وندد رئيس الحكومة الفرنسي جان مارك ايرولت "بشدة بهذا الاستفزاز الذي يكشف حقدا دينيا غير مقبول". كما ندد وزير الداخلية مانويل فالز بما سماه "الاستفزاز الحاقد وغير المقبول". وفتحت النيابة العامة تحقيقا لكشف ملابسات قيام "تظاهرة غير مرخص لها والحث على الحقد العنصري والمشاركة في تجمع يمهد للاضرار بممتلكات". وتهمة الاضرار بممتلكات موجهة الى الذين سحبوا سجادات صلاة الى خارج المسجد ووضعوها على سطحه ما ادى الى اتلافها بسبب المطر.
وقال داميان ريو المتحدث باسم المجموعة "كنا نريد البقاء لوقت اطول، ولكن وبما انه لم يكن لدينا اي نية للمواجهة مع الشرطة فضلنا الانسحاب".من جهته قال رئيس بلدية بواتييه (90 الف نسمة) الان كلايس ان "بواتييه لا تزال تحت الصدمة"، مضيفا ان الناشطين من اليمين المتطرف "قدموا من مناطق فرنسية عدة وبدوا منظمين جدا ومجهزين بحواسيب ولافتات".
واعرب المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية عن "عميق ادانته وقلقه الشديد ازاء هذه النوع الجديد من العنف المناهض للاسلام". وجاء في بيان صادر عن هذا المجلس ان "هذه الاحتلال الوحشي غير الشرعي والخطير والمترافق مع اطلاق شعارات مناهضة للاسلام والمسلمين هو سابقة في تاريخ فرنسا" التي تضم اكبر عدد من المسلمين في اوروبا، اي ما بين اربعة وستة ملايين مسلم. بحسب فرنس برس.
كما قال امام مسجد بواتييه بوبكر الحاج عمر "لقد مس هذا الحادث مشاعرنا بشكل كبير".واشاد بتصرف المسلمين في المدينة الذين يعدون ما بين سبعة وثمانية الاف شخص اذ تعاطوا مع الحادثة "بهدوء وبحس من المسؤولية". وتابع ان "هؤلاء المتطرفين كانوا يريدون الاستفزاز ولم نتجاوب معهم". واعلن امام المسجد انه ينوي تقدم دعوى قضائية على من اقتحموا المسجد.
قرارات وتحركات
على صعيد متصل جمدت وزارة الاقتصاد والمال الفرنسية الأرصدة العائدة الى الإمام التونسي محمد الهمامي والجمعية التي يترأسها بعد طرده الى تونس، وفق قرار مؤرخ في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر. واورد القرار ان "الارصدة والادوات المالية والموارد الاقتصادية العائدة الى محمد الهمامي وجمعيته تقرر تجميدها". واضاف "يحظر نقل الاموال والادوات المالية والموارد الاقتصادية لمصلحة الاشخاص المذكورين".
ولفت القرار الى ان الجمعية "تستقبل محمد الهمامي بانتظام وتقدم له دعما ماديا وتشكل جزءا من الخطر الذي تشكله خطبه وتقوم بعمليات تمويل منتظمة في الخارج لا تندرج ضمن الهدف الاجتماعي للجمعية بحيث يمكن لهذا التمويل ان يشكل مؤشرا جديا الى تمويل ارهابي بالنظر الى خطب رئيس" الجمعية.
واتهم القرار الهمامي "بصفته سلطة دينية في مسجد عمر" في الدائرة الحادية عشرة من باريس، بمخاطبة "اشخاص في شكل علني ومنتظم مع معرفته باحتمال تأثير كلامه، الذي يبرر اللجوء الى العنف، لدى جمهور شاب او متاثر بالظروف الارهابية الراهنة". واعلنت وزارة الداخلية الفرنسية ان الهمامي المتهم بالدعوة الى "العنف في الجهاد" والعنف ضد النساء وكذلك الى معاداة السامية، طرد من فرنسا.
من جهة أخرى وصل وفد من عشرة ائمة وستة مسؤولين عن جمعيات الى تل ابيب للقيام بزيارة الى اسرائيل والاراضي الفلسطينية "في سابقة" من نوعها. ولدى وصوله الى مطار بن غوريون الدولي في تل ابيب، قال امام درانسي، قرب باريس، حسن شغلومي "انه وفد امل جاء حاملا رسالة سلام".
واضاف انه يريد ايضا ان يظهر ان "الاسلام لا علاقة له بمحمد مراح وان هذه الزيارة ستظهر ان هذا النوع من الاعمال تدعمه اقلية ضئيلة من المسلمين" وجاء في بيان لجمعية ائمة فرنسا ان زيارة الائمة الفرنسيين التي حصلت على دعم وزارة الخارجية الفرنسية هي مبادرة من شلغومي "الذي يريد الانخراط في المسيرة السلمية والانسانية التي تقودها جمعية ائمة فرنسا مند عدة سنوات".
وكان شغلومي المعروف بقربه من الجالية اليهودية قال قبل مغادرة الوفد باريس متوجها الى تل ابيب "هدفنا هو ان نقول ان الصراع الفلسطيني الاسرائيلي سياسي وليس دينيا. بهذا التحرك، الاول من نوعه، نريد ان نزيل التوتر الذي يشوب العيش المشترك هنا في فرنسا من خلال رفض انتقال النزاع باي شكل الى بلدنا".
واضاف "ان صورة فرنسا هي صورة التنوع وليست صورة محمد مراح او ثلاثة او اربعة متعصبين بلهاء". وتابع شلغومي "الوفد سيزور بالخصوص قبور ضحايا تولوز (الذين دفنوا في اسرائيل) وسيزور الاراضي الفلسطينية للتعبير عن دعمنا للشعب الفلسطيني".
ويضم الوفد المفتي علي محمد قاسم، مفتي جالية جزر القمر في فرنسا، وصلاح عطيه، رئيس الجالية المصرية في فرنسا، ومحمد حنيش، الامين العام لاتحاد الجمعيات الاسلامية في فرنسا. ومن بين اعضاء الوفد ايضا مراك هالتر الكاتب الفرنسي اليهودي الذي يناضل منذ عقود من اجل حل سلمي للصراع الفلسطيني الاسرائيلي. بحسب فرنس برس.
وقال هالتر "انهم تعرضوا للتهديد والنقد بسبب مبادرتهم ولكني اجد من واجبي ان ارافقهم". وتابع "هذه مبادرة شجاعة جدا لانهم على استعداد للمخاطرة بحياتهم من اجل قضية تتجاوزهم. انهم لا يريدون ان تقترن صورة الاسلام بالعنف وهذه البادرة ستثير اعجاب الجميع في الشرق الاوسط".
الدفن خارج فرنسا
الى جانب ذلك وفي ظل النقص في المدافن المقسمة بحسب الطوائف وحظر حرق الجثث في الاسلام، يتم دفن آلاف المسلمين الذين يموتون في فرنسا في بلدهم الأم سنويا. وبحسب وزارة الداخلية الفرنسية، يتم نقل ما بين 75 و80 بالمائة من المسلمين المتوفين في فرنسا الى بلدانهم الام ليدفنوا فيها، وهي نسبة تشهد انحسارا "طفيفا ولكن ثابتا"، وفقا للوزارة. وفي العام 2011، نقلت جثامين اكثر من 2300 شخص متوفى من فرنسا الى المغرب، بالاضافة الى مئات الجثامين الاخرى التي نقلت الى تونس والجزائر، بحسب ما افادت البعثات الدبلوماسية لهذه الدول.
ويرى ياسين شايب، صاحب كتاب "ليميغريه ايه لا مور" (المهاجر والموت)، ان خيار نقل جثمان المتوفى الى بلده الام هو حاليا الخيار البديهي، ولا سيما في ظل النقص في المقابر الاسلامية في فرنسا، البلد ذي التراث العلماني العريق. وكانت مقبرة بوبينيي في ضاحية باريس اول مقبرة اسلامية، وهي انشئت في الثلاثينات من القرن العشرين على انها ملك خاص. وفي شباط/فبراير من العام 2012، انشئت مقبرة اخرى للمسلمين في ستراسبورغ شرق فرنسا، علما أن القانون العائد الى العام 1905 والقاضي بفصل الكنيسة عن الدولة لا يطبق في تلك المنطقة. وبحسب تقديرات وزارة الداخلية، تضم فرنسا ما لا يقل عن مئتي مقبرة اسلامية.
ويرغب المسلمون في دفن موتاهم في مقابر تراعي الطقوس الجنائزية كتوجيه رأس الميت في اتجاه مدينة مكة، حيث الكعبة التي بناها النبي ابراهيم ورممت مرات عدة خلال التاريخ، وفقا للتراث الاسلامي. وبحسب ياسين شايب، فإن العائلات المسلمة، وإن وجدت مكانا لدفن الميت في فرنسا، قد تعود وتتخلى عن هذا الاحتمال بسبب عدم وجود ضمانات حول عدم فتح القبر في أجل لاحق لسبب او لآخر، إذ إن المسلمين يفضلون ألا تنبش القبور بعد ردم التراب على الميت.
وفي فرنسا، يستطيع الفرد بيع مساحات لمدة عشر سنوات او ثلاثين او خمسين سنة، لكن بعد انقضاء هذه المدة يجري حرق الرفات، وهو ما يعتبره المسلمون مخالفا لشريعتهم. ويبقى هناك احتمال اخير، وهو ان تكون مساحة الدفن نهائية، وهو امر ممكن في بعض المناطق لكنه مكلف جدا، اذ ان تكلفته تتجاوز ثلاثة الاف يورو في بعض المناطق. وازاء هذه الاعتبارات، يجد الكثيرون انفسهم امام خيار وحيد أقل كلفة وأكثر بساطة، ألا وهو نقل جثمان المتوفى الى بلده الام.
ويقول سليم عامر وهو مدير مؤسسة تعنى بدفن الموتى ان "كلفة الدفن في فرنسا اكبر من كلفة نقل الجثمان". فنقل جثمان الميت الى المغرب العربي يكلف ما بين 2500 و3000 يورو، إلا أن السلطات التونسية تتكفل بدفع هذه التكاليف عندما يتعلق الأمر برعاياها. اما اولئك الذين يختارون ان يدفنوا في فرنسا، فانهم بذلك يتخذون موقفا رمزيا، اذ ان "اختيار المثوى الاخير يتصل بالهوية التي يتبناها الانسان"، وفقا لياسين. بحسب فرنس برس.
في الزوايا الاسلامية من المقابر الفرنسية، تحاكي القبور القديمة القبور المغربية. فهي تعتمد على البساطة وتكاد تقتصر على لوحة تحمل اسم المتوفى وتاريخ ولادته ووفاته باللغة العربية. اما القبور الحديثة، فهي تتكون من قاعدة مع حجر مزخرف او نصب باللغتين العربية والفرنسية، الى جانب زهور ولوحات على نمط القبور الفرنسية. وبحسب ياسن شايب، ينطوي هذا الامر على دلالات كبيرة، اذ إن الدفن في فرنسا يعتبر مؤشرا على مدى الاندماج في المجتمع الفرنسي.
شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 21/تشرين الثاني/2012 - 6/محرم الحرام/1434