في الوقت الذي يعتقد محللون ان مؤسسات الحكم الليبي نجحت في اجتياز «عنق الزجاجة» في ما يخص محاكمات اركان نظام العقيد القذافي، وانها نجحت في انتزاع توافق مع كم من الميليشيات المسلحة على آلية محاكمة هذه القيادات السابقة، يبدي آخرون تحفظهم الشديد على الواقع الامني في مختلف انحاء البلاد.
مبدئياً، قررت الحكومة الليبية البدء بمحاكمة عدد من قيادات واركان نظام القذافي، ومنهم نجله سيف الاسلام، وصهره مدير الاستخبارات عبدالله السنوسي، منتصف الشهر المقبل، يسود اعتقاد بأن العملية ستواجه بعض الصعوبات، وان بعض الميليشيات المسلحة ستحاول التدخل في سير المحاكمات، بحيث يكون مسار المحاكمة وقرار الحكم «توافقياً» وبالحد الاعلى للعقوبة.
وبالتوازي، هناك خشية من ان تتطور الاوضاع الامنية نحو الاسوأ، وصولاً الى حالة الفوضى العارمة والى ما يشبه الحرب الاهلية، وبحيث تمتد المواجهات الجارية حالياً في اكثر من مكان والتي تتركز في بنغازي الى المناطق كافة.
فالوقائع الان - بحسب التقارير الواردة من هناك - تشير الى ان حالة الانفلات الامني تغطي مناطق عديدة من ليبيا، خصوصاً المناطق الصحراوية، ومنها جنوب ليبيا، التي تسيطر عليها بشكل كامل ميليشيات مسلحة، وتسيطر على بعضها تنظيمات اسلامية، وتتولى ادارة معابر حدودية تنظيمات قبلية ولكن بطريقتها الخاصة.
فقد اعلنت المرجعيات القضائية عن بدء موجة كبرى من محاكمات اركان نظام القذافي منتصف آب (أغسطس) المقبل بتهم كثيرة من بينها القتل والاغتصاب ونهب الأموال، وفي إطار ذلك سيمثل سيف الإسلام القذافي في مقدمة هؤلاء أمام المحكمة.
وجاء في الإعلان أن القضية المرفوعة على سيف الاسلام نجل العقيد القذافي، وعلى غيره من أعضاء النظام السابق البارزين، ستتضمن اتهامات بتشكيل عصابات إجرامية، والتحريض على الاغتصاب، والاحتجاز غير القانوني للأفراد. وقال رئيس الوزراء الليبي، علي زيدان، إن محاكمة رموز النظام السابق، ومن بينهم سيف الإسلام القذافي، هو أمر سيادي، رغم مطالبة المحكمة الجنائية الدولية لطرابلس بتسليمها سيف الإسلام وعبدالله السنوسي رئيس الاستخبارات في عهد معمر القذافي.
محاكمة عائلة القذافي
ويحرص الحكام الجدد في ليبيا على محاكمة افراد عائلة القذافي والموالين له لوضع نهاية لديكتاتوريته التي استمرت 42 عاماً لكن ناشطي حقوق الانسان يشعرون بالقلق من ان وجود حكومة مركزية ضعيفة وسيادة قانون مهتزة يعني ان الاجراءات القانونية لن تفي بالمعايير الدولية.
ويحتجز سيف الإسلام حالياً في مدينة الزنتان الواقعة في غرب ليبيا بعد أن قبض عليه بعض رجال الميليشيات في نهاية 2011. وكان سيف الإسلام يعد أكثر من يحتمل توليه السلطة خلفاً للعقيد القذافي قبل اندلاع الانتفاضة التي أدت إلى اطاحة والده قبل عامين. وقد ظهر سيف الإسلام في كانون الثاني (يناير) في محكمة بالزنتان في قضية أخرى منفصلة يتهم فيها بالاتجار بمعلومات تهدد الأمن القومي الليبي. ثم أجلت المحاكمة بعد تلك الجلسة.
وعلى صعيد الوضع الامني في ليبيا، شهد بعض المناطق تفجيرات، وعمليات مواجهة. فقد ادى انفجار الى تدمير مركز للشرطة في مدينة بنغازي شرق ليبيا من دون ان يلحق اصابات. ووقع الانفجار عند الثالثة فجراً وادى الى تحطيم زجاج محال مجاورة.
وكان المبنى المدمر الذي تم استهدافه لمرات سابقة، في حي الحدائق في بنغازي خالياً تماماً لحظة التفجير.
وشهدت بنغازي، مهد الثورة الليبية ضد نظام الزعيم الراحل معمر القذافي في العام 2011، هجمات عدة وموجة اغتيالات خلال الاشهر الماضية. وغالباً ما تنسب الهجمات الى المجموعات الاسلامية المتشددة، على غرار الهجوم الذي شهدته القنصلية الاميركية في 11 ايلول (سبتمبر) الماضي واسفر عن مقتل اربعة اميركيين بينهم السفير كريس ستيفنز.
الى ذلك، قتل ستة جنود على الاقل في معارك دارت في بنغازي بين القوات الخاصة الليبية ومجموعة مسلحة، ما يكشف عن صراع نفوذ بين الميليشيات والقوات النظامية للسيطرة على المدينة التي تعتبر عاصمة الشرق الليبي.
واثر ذلك، قام رئيس الوزراء الليبي علي زيدان بزيارة الى مدينة بنغازي وبحث مع مسؤولي السلطات المحلية، تطورات الاوضاع في ما يخص المواجهات الدامية التي شهدتها المدينة. والتقى زيدان الفعاليات الرسمية، فيما قامت وحدات من القوات الخاصة بدوريات في المدينة بعد يوم من الاشتباكات الدامية.
وبحث زيدان وعدد من الاعضاء مع قيادات المدينة الوضع الامني هناك. ووسط الاضطرابات قرر المؤتمر الوطني العام تأجيل تصويت لاختيار خلف لرئيسه محمد المقريف الذي استقال في 28 ايار (مايو) بعد صدور قانون العزل السياسي.
اغتيالات
وفي تطور اخر قتل مسلحون قاضياً في مدينة درنة شرق ليبيا. ونقلت وكالة الانباء الليبية عن المستشار عبد العزيز الطرابلسي قوله ان مسلحين مجهولين اغتالوا رئيس دائرة الجنايات بمحكمة استئناف الجبل الاخضر في درنة. وقال انه تم استهداف المستشار محمد نجيب ابرهيم هويدي امام المدخل الرئيس للمحكمة.
وجاءت هذه المواجهات بعد اسبوع من اشتباكات دامية بين متظاهرين مناهضين للميليشيات وكتيبة موالية للاسلاميين.
ولم ينجح الحكم الجديد في نزع السلاح وحل مجموعات المتمردين السابقين الذين يفرضون قانونهم في البلاد ويسعون الى تشريع البعض منهم رغم معارضة القسم الاكبر من السكان. وكانت بنغازي ثاني المدن الليبية، مسرحاً خلال الاشهر الاخيرة لهجمات عدة استهدفت مصالح غربية الى جانب عمليات اغتيال مسؤولين امنيين، نسبت غالباً الى اسلاميين متطرفين يتواجد معقلهم في شرق البلاد.
وفي موضوع آخر، تعهدت جنوب افريقيا بإعادة أرصدة وأموال الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي الموجودة في البلاد الى السلطات الليبية بعد التوصل الى اتفاق مع طرابلس.
واتفقت الحكومتان على إعادة الأموال والأصول الليبية من جنوب افريقيا والتي يعتقد أن بينها كميات من الماس والذهب تزيد قيمتها على مليار دولار. وأودعت هذه الأصول والأرصدة من قبل هيئة الاستثمار الليبية ومحفظة ليبيا - افريقيا للاستثمار وشركة افريقيا للاستثمار، والتي كان يسيطر عليها القذافي.