خريف طائفي يريد حرق الربيع
سوسن دهنيم ...
Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com
منظر الدم هذه المرة كان مختلفاً، ورائحة الدم كانت مختلفة، إذ لم يكن الدم الذي سفك في الفترة الأخيرة دماً يسفكه طاغية يخاف على عرشه من متظاهرين تمردوا على سياسته التي خنقتهم وخنقت آمالهم بمستقبل مشرق، فقرروا الخروج في مسيرات وحراكات شعبية هدفها انتزاع حقوقهم منه لا من سواه، أو الإطاحة بحكمه حين يصر على تجاهلهم وتجاهل مطالبهم، ليقابلهم بآلة قتل تخترق أجسادهم وتنتزع أرواحهم التي حنّت إلى الحرية وطالبت بها، أياً كان نوع هذه الآلة وأياً كانت الدولة التي صدرتها له للفتك بأعدائه من داخل حدود دولته.
الدم هذه المرة سُفِك على الاسفلت والطين لأنه دمٌ من طائفة أخرى، غير دم الطائفة التي سفكته، دمٌ لا ذنب له إلا أنه كان يسكن شرايين أجساد آمنت بطائفة لا ينتمي إليها التكفيريون الذي يعشقون سفك الدماء التي تخالف أفكارهم، فامتلأت الأراضي بدماء ساخنة أُهدِرَت بدم بارد نتيحة لفتاوى أصدرها من هو عارٌ على المسلمين، ومن آثر القتل على النصح، والكراهية على قيم التسامح.
كنا نتألم لوضع العراق وما يحدث في أراضيه من احتراب طائفي، باعتباره البلد العربي الوحيد الذي يسفك فيه المسلم دم أخيه بشكل مستمر بعد أن توقفت حرب الطوائف في لبنان، ولربما تفاءلنا قليلاً بموجة الربيع العربي وقدرتها على حقن الدماء في كل البلدان بعد أن يتوحد أبناء الشعب الواحد في سبيل الحصول على حقوقهم كاملة، لكننا اليوم بتنا نرى دماً مسفوكاً باسم الربيع الذي شكّل لنا ذات يومٍ أملاً في الخلاص من هذه الحال التي سخر منها أعداء الإسلام والإنسانية واتخذوها وسيلة ضد المسلمين. فها هو العراق يئن في كل يوم بسبب من يُقتل على أرضه، وها هي سورية التي خرجت في بادئ الأمر تطالب بحقوق شعبها، حوّلت ثورتها من ثورة ضد حاكمها الجائر إلى ثورة ضد الطائفة التي ينتمي إليها، وكأن الانتماء إلى ذات الطائفة بات جرماً، فتباهى بعض «الثوار» بقدرتهم على قتل أبناء وطنهم، وتنادوا لعدم الإبقاء على واحد من العلويين، باعتبارهم كفرة ومؤيدين لحكم الأسد، ناسين أو متناسين أن الاختلاف السياسي أمر قائم في كل البلدان، وأن هذا الاختلاف الطائفي كان موجوداً لقرون.
سابقاً كانت لبنان تعاني وتبكي، ثم دخلت العراق في هذا المستنقع، لتنضم إليهما سورية بعد الثورة، والآن تنجر مصر إلى ذات القافلة البائسة. قافلة التكفيريين الذين يجيزون سحل من هم على غير طائفتهم. مصر التي كانت مضرباً للأمثال في التعايش المذهبي والديني، وكانت أصوات أجراس الكنائس فيها تدوي بالقرب من المآذن.. فيلتحم الصوتان وتلتحم معهما قلوب المؤمنين بهما، مصر التي كانت لا تعرف معنى أن يقول المسلم: أنا شيعي أو سني... ركبت اليوم موجة الطائفية، وتخلت عن حكمتها، في احتواء المشكلات الناتجة عن سبّ الصحابة أو آل البيت، واتجهت للقتل متجاهلةً أن الدين يحرّمه مهما كان سببه، وأن من يخطئ يجب أن يخضع للقانون لا للأهواء الإجرامية.
نحن ضد شتم رموز المسلمين من الأساس، وضد لعن أحد من الصحابة أو آل البيت، ولكننا ضد القتل أيضاً. القتل الذي شوّه صورتنا حتى أمام الجاليات التي كانت تفكر ولو لوهلة واحدة في الدخول في ديننا بعد ما وجدته من تعامل لطيف يشي بتعاليم دين سمح لا يحتقر من لا ينتمي إليه، فباتت تضحك علينا وتزدرينا بسبب هذا الاحتراب غير المبرر.
سوسن دهنيم
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3950 - الإثنين 01 يوليو 2013م الموافق 22 شعبان 1434هـ