الأسير عبد الناصر عيسى
جنرال الكتلة الإسلاميّة
التلميذ النجيب للمهندس عياش والقائد الشهيد جمال منصور
نابلس – تقرير خاص:
كما كان علماً في فلسطين في ساحات الوغى وميادين العمل الطلابي والجهاديّ، ما زال علماً في زنازين وباستيلات العدو الغاصب يترك بصماتٍ واضحة أينما رحل وحلّ, مما أربك قادة الأمن الصهاينة.
المعتقل القساميّ عبد الناصر عطا الله شاكر عيسى (37 عاماً)، من مواليد مخيّم بلاطة في مدينة نابلس, درس المرحلة الابتدائية في مدارس الوكالة، ثمّ انتقل بعد ذلك إلى المدرسة الإسلامية، وبعد أنْ أنهى التوجيهي كانت الانتفاضة الأولى قد بدأت، فاعتُقِل بحجّة إلقاء ملتوف (زجاجات حارقة) على الجبات (السيارات العسكرية)، وانضمّ إلى الحركة الإسلاميّة في العام 1983, وبعد خروجه من السجن التحق بكلية الشريعة قسم الكتاب والسنة بجامعة النجاح الوطنية، وانخرط في صفوف العمل الإسلامي والوطني في الجامعة ليصبح بعد فترةٍ أمير الكتلة الإسلامية المحسوبة على حركة حماس.
حياة جهاديّة حافلة..
تعرّض عبد الناصر للاعتقال من قِبَل سلطات الاحتلال الصهيونيّ عشرة مرات، كانت المرة الأولى سنة 1984 م واستمرّت لمدة سنتين ونصف، اتهم فيها بالعضوية في حركة حماس وفي خليّةٍ مسؤولة عن إلقاء عبوات ناسفة ومولوتوف على دوريات عسكرية صهيونيّة، وفي سنة 1992 م خرج من السجن بنشاطٍ وعزيمة صلبة ونفسيّة قويّة لم تثْنِها متاهات الاعتقال وظلام السجن، واستمرّ في طريقه الذي كان عليه قبل الاعتقال.
وبعد عامٍ من خروجه من الاعتقال اعتُقِل عبد الناصر للمرة الثانية في سنة 1993 م بتهمة المشاركة في فعاليات ونشاطات حركة حماس، ودام اعتقاله الثاني لمدة عام خرج بعدها عام 1994م من السجن لينخرط مباشرة في العمل العسكري التابع لحركة حماس، وبعد فترةٍ وبالتحديد في شهر يناير 1995م بدأت أجهزة الأمن الصهيونيّة مطاردة عبد الناصر عيسى باعتباره أحد قياديّي كتائب عز الدين القسام، استطاع عبد الناصر في فترة مطاردته تكوين وقيادة عددٍ من الخلايا العسكرية التي نفّذت عدداً من العمليات العسكرية داخل الأراضي المحتلة عام 1948م.
وتعرّض منزله للإغلاق في العام 1969 على خلفية نشاط والده المقاوم وكان عمره آنذاك عامين، وتمّ هدم المنزل في الانتفاضة الأولى وتعرّض للتهديد بالهدم للمرة الثانية قبيل انسحاب قوات الاحتلال من نابلس. وأصيب بالرصاص مرتين المرة الأولى عام 82 والثانية عام 1987.
مع الشهيد المهندس يحيى عياش..
أثناء المطاردة، نجح المطارد عبد الناصر عيس بتخطّي حاجز "آيرز" لدخول مدينة غزة الواقعة تحت السيطرة الأمنية الفلسطينية، وفي أحد المخابئ في بيت لاهيا التقى الشهيد أبو البراء، والذي كان منقطعاً عن الضفة بسبب حصاره الشديد في غزة, ولذلك كان متلهّفاً لمعرفة أخبارها, وكيف هي الأحوال، وكان اللقاء حول العمل الجهاديّ الذي كان متوقّفاً لفترة طويلة نسبيّاً، وحول أوضاع المعتقلين، وتمّ الاتفاق فيه على أنْ يعود إلى الضفة لتوفير أماكن للاختباء, وتجنيد مجاهدين لاستئناف العمل، ومن ثمّ مساعدة أبو البراء للعودة إلى الضفة الغربية لمواصلة العمل وحتى يحين ذلك الوقت فقد علّمه أبو البراء كيفيّة إعداد العبوات الناسكة للعمل حالما تكون الظروف مواتية لذلك، واستطاع عثمان بلال أنْ يُعِدّ له مكاناً مناسباً للاختفاء والعمل.
عبد الناصر التلميذ النجيب:
بعد أنْ تعلّم عبد الناصر فنّ إرعاب الصهاينة على يد الشهيد يحيى عياش، صار يسمّى بالتلميذ النجيب للمهندس حتى كسر فترة الهدوء والانتظار بعملياته النوعية التي كانت سبباً في إرباك الصهاينة، بخاصةٍ وأنّ العملية الثانية تمّت بعد اعتقال عبد الناصر بأيام وهو الذي تحمّل كافة أنواع التعذيب حتى اطمأن إلى تنفيذ العملية التي خطّط لها قبل الاعتقال, ولخطورته من وجهة نظر العدو تمّ عزله مدّة سنتين ونصف في سجني بئر السبع والرملة، حيث تعتبره المخابرات الصهيونية من قيادات حماس داخل السجون.
حُكِم على المجاهد عبد الناصر عطا مدى الحياة مرتين, وعندما نطق القاضي الصهيوني بالحكم وضّح له أنّ مدى الحياة الثانية تبدأ بعد انتهاء الأولى.
الجنرال القائد:
عشر سنواتٍ مرّت على اعتقال جنرال الكتلة الإسلامية المعتقل القساميّ عبد الناصر عيسى، دون أنْ يوهِن ذلك من عزيمته وحقده على الصهاينة وتمنّيه أنْ يموت شهيداً، كما تمنّاه من قبله القائد الفذّ خالد بن الوليد.. ومهما يكن من خلافات، وكره وعداء، فلا يمكن للعدو إلا أنْ يعترف بعبقرية من يواجهه، ويعترف بأنّه يفرض احترامه على كافة الوجوه، فقال الصحافي الصهيونيّ "تسفي غيلات": "إن الموضوع يُعلّق بأناسٍ يملؤهم الحماس الدينيّ، إنّك تحوّل من تشاء إلى عبدٍ بالعطايا أو المال أو النساء ولكن كيف ستغري إنساناً يرى في عالمنا مجرّد ممرٍّ وليس مقرّ، فهو سيحصل على كلّ المنح كمجاهدٍ في سبيل الله، لذلك لا عجب أنْ يتفاخر أعضاء حماس برجالهم". بهذا التعليق عن رجال حماس والمعتقل عبد الناصر عطا الله عيسى هو أحد هؤلاء الرجال بل هو أحد قادتهم وأمرائهم، فقد قدّم هذا الرجل في سبيل وطنه ودينه سني عمره التي حاول الصهاينة أنْ يسلبوه إياه، لكن سجنه خلوة، وإيمانه في صدره، مستقبِلاً حكمه بابتسامة هادئة، حينما نطق القاضي بالحكم وهو يضحك -فلأول مرة يُحكَم على شخصٍ مدى الحياة مرتين- وعندما تمّ الاعتراض على الحكم قال القاضي "بعد انتهاء مدى الحياة الأولى تبدأ مدى الحياة الثانية".
أولى خطوات المجد القسّاميّ:
تمّ تجميع المواد الأساسية التي تتكوّن منها المادة المتفجّرة المعروفة "بأم العبد" الحساسة والخطيرة والتي أتقنها الشهيد أبو البراء، ثمّ قام عبد الناصر بالاتصال بمحي الدين الشريف ولم يكنْ حينها مطارداً, والشهيد لبيب عازم والشهيد سفيان جبارين, بعد أنْ كانت حقيبة عبد الناصر مليئة بالمتفجرات الجاهزة للاستخدام, وكانت الخطّة تقتضي القيام بتفجيرين بشكلٍ مزدوج في محطة الباصات المركزية بالقدس، ولكن لأسبابٍ مختلفة قام عبد الناصر بتوصيل الشهيد لبيب عازم إلى وسط تل أبيب بجانب محطة باصات صهيونيّة في "رامات غان" ليس بعيداً عن هيئة أركان الجيش الصهيونيّ، والبورصة المركزية في تل أبيب, وعندما حصل الانفجار لم يكنْ قد اجتاز الخط الفاصل بين الأراضي الفلسطينية المحتلة (48) قلقيلية, وأعلن العدو الصهيونيّ عن تدمير باصٍ وقتل ستة جنودٍ و جرح أكثر من 30 عسكرياً.
وبعد شهرٍ تقريباً كانت العملية الثانية في قلب القدس المحتلة، وأعلن العدو الصهيونيّ عن تدمير حافلتين ومقتل خمسةٍ من الصهاينة وجرح أكثر من مائة.
المطاردة..
عبد الناصر عيسى، المطلوب رقم 2، بعد أنْ أُطلِق لقب المطلوب رقم 1 على الشهيد المهندس يحيى عياش الذي كان يصفه عبد الناصر دائماً "كالمرأة الخجولة، من يراه لا يقول إنّ هذا الشخص له علاقة بمثل هذه الأمور".
استمرّت مطاردة عبد الناصر من قِبل أجهزة الأمن الصهيونيّة والفلسطينية على حدٍّ سواء، وأثناء المطاردة اعتُقِل عبد الناصر من قِبَل السلطة الفلسطينية في مدينة غزة وأيضاً من قِبَل سلطات الاحتلال، ولكنّهم لم يتعرّفوا عليه حيث كان يحمل اسماً مستعاراً وهوية مزوّرة وأطلق سراحه بعد فترة، بعدها انتقل إلى الضفة واستمرّ مطاردته حتى يوم التاسع عشر من شهر أغسطس 1995 م وهو اليوم الذي تمّ فيه إلقاء القبض عليه في مدينة نابلس بعد أنْ كان عائداً من القدس المحتلة حيث قام بتسليم حقيبةٍ تحتوي على مواد متفجرة للشهيد القائد محيي الدين الشريف لتنفيذ عملية "رامات أشكول"، وفي لحظةٍ كان يقف عبد الناصر في شارع الملك فيصل في نابلس ويتكلّم من هاتفٍ عموميّ مع الشهيد المهندس يحيى عياش، وبعد الانتهاء من المكالمة وإذا بمجموعةٍ كبيرة من القوات الخاصة الصهيونيّة وضباط جهاز المخابرات الصهيونيّة تحيط به، وهكذا تمّ اختطافه واقتياده إلى زنازين سجن نابلس حيث استقبل بفرحٍ شديد من قِبَل قيادة جهاز "الشاباك" وحصولهم على هذا الصيد الثمين.
اعتقاله:
اعتُقِل عبد الناصر عيسى باسم (مهدي القاسم) المزوّر، وفي التحقيق التزم الصمت بالرغم من شدّة التعذيب واستخدام أسلوب الهزّ معه، وبعد فترةٍ من اعتقاله حصلت عملية "رامات أشكول" والتي كان عبد الناصر وراءها، وحمّل الرأي العام الصهيونيّ جهاز المخابرات العامة الشاباك المسؤولية حيث إنّ مدبّرها كان بين أيديهم ولم يستطيعوا انتزاع اعترافٍ منه إلا بعد حصولها، وعلى إثر هذه العملية كشف رئيس "الشاباك" عن نفسه في فضيحةٍ أمنيّة كبيرة، وهكذا اعتُقِل عبد الناصر للمرة الثالثة ولكن هذه المرّة دون أملٍ في الخروج.
أوضاعه الاعتقالية:
يعيش المعتقل عبد الناصر عيسى ظروف اعتقالٍ صعبة، فقد قامت مصلحة السجون الصهيونيّة بنقله من سجنٍ لآخر، حيث تنقّل من سجن "الفارعة" إلى "مجدو" في"جنين"، ثم "جنيد" و"نفحة" و"بئر السبع" و"الجلمة" ثم "بيتح تكفا" و"المسكوبية" في القدس المحتلة، ثم سجن "الرملة"، وأخيراً استقرّ في سجن "عسقلان".
وُضِع المعتقل عبد الناصر عيسى في العزل الانفراديّ مدّة سنتين حيث امتدّت منذ سنة 1997 م إلى 1999 م في سجن بئر السبع ومُنِع أهله في تلك الفترة من زيارته، وفي الفترة الأخيرة أعاد جهاز المخابرات التحقيق معه ثلاث مرات حيث كان كلّ من رآه بعد إعادته من التحقيق يقول إنّه ميّت، وكانت أشدّ هذه الجولات من التحقيق سنة 1998م وذلك بسبب مشاركته من داخل السجن في تكوين خلية "شهداء من أجل الأسرى" التي نفّذت عمليّتي "محانيه يهودا" و"بن يهودا" التي قُتِل فيها ستّةٌ وعشرون صهيونيّاً وجُرِح فيها العشرات.
الشقيقة الصابرة:
أمّا شقيقته تحرير فتقول: "إنّ عبد الناصر صاحب شخصيةٍ جذابة ومحبوبة لمن حوله، دبلوماسيّ في التعامل وحنون على أهله خاصة أمّه وأبوه وأخوته".
وأكملت قائلةً إنه كان يحقد على اليهود ويكرههم، ويتمنىّ أنْ يأتيَ اليوم الذي لا يراهم فيه وبالذات بعد اعتقال أبيه.
أمّا عن حالته الصحية فقد أعربت عن خوفها من مرضه فقالت: "يعاني عبد الناصر من أمراضٍ كثيرة كالقرحة وأزمة في الصدر وآلام في الظهر والفاصل بسبب ظروف الاعتقال السيئة وطول فترات التحقيق معه".
"فرح" المتعلّقة بعمّها:
ولا تتوقّف الرسائل التي يرسلها عبد الناصر من السجن عن السؤال عن "فرح" (11 عاماً) ابنة شيقيقه عمر والتي كان يلاعبها وهي رضيعة خلال فترة المطاردة, كما لا تتوقّف "فرح" عن إرسال رسائل إلى السجن تتضمّنها أشعارٌ تخطّها بقلمها ورسومات. وما إنْ تصل رسائل عمّها حتى تسارع "فرح" إلى غرفتها تقرأها مرّاتٍ عديدة وتكتب ردّاً عليها.
عبد الناصر في المعتقل..
ما يزال المعتقل حصناً لا يستطيع أيّ شخصٍ اختراقه، فدخوله لم يغيّر فيه إلا جلده وصبره، ويُجمِع الذين عرفوه داخل السجن أنّه هادئٌ جدّاً وصاحب معنويات عاليةٍ ويتمنّى الشهادة دائماً، وفي انتفاضة الأقصى استُشهِد عددٌ كبيرٌ من رفاقه منهم توأمه، كما كان يصف عبد الناصر دائماً، الشهيد فهيم دوابشة، والشهيد أحمد مرشود صهره وصديق عمره، كما منعت سلطات الاحتلال أهل عبد الناصر من زيارته منذ أحداث انتفاضة الأقصى.
واستطاع عبد الناصر عيسى كسب محبّة كلّ من حوله داخل السجن، ممّا ضايق إدارة السجن حيث كان يقول له مدير سجن عسقلان دائماً: "إنّك سجينٌ خطيرٌ، ولا يجب أنْ تجلس مع بقية السجناء لأنّك محبوبٌ وتعمل حيثما جلست قاعدة وشعبية لك".
ولذلك يُعتبر عيسى نموذجاً فريداً يمثّل بحقّ دور المجاهد الصابر الشجاع، واختار طريق الجهاد التي كان يقول دائماً عنها: "إنّ الطريق التي نختارها هذه نهايتها إمّا الشهادة أو السجن، والسجن خيارٌ صعبٌ لكن ما على المجاهد إلا أنْ يصبر ويحتسب وينتظر الشهادة، أمّا هؤلاء اليهود فلنْ ينالوا من عزيمتي شيئاً".
رفقاء الأسر:
وفي الأشهر الأخيرة التقى عبد الناصر بالعديد من القادة السياسيين الذين دخلوا السجون وأبرزهم الشيخ حسن يوسف وحسام خضر ومروان البرغوثي. وبعد الإفراج عن الشيخ يوسف زار الشيخ منزل عبد الناصر عيسى والتقى عائلته حيث امتدحه وأعرب عن افتخاره بأخلاقه العالية ودماثة علاقاته مع اقرأنه. وفي الرسائل التي يرسلها الأسير النائب حسام خضر وصف عبد الناصر بأنّه شخصية فذّة تترك محبةً في نفوس كلّ من يلقاه.
دراسة جامعية:
واستغلّ عبد الناصر عيسى فترة اعتقاله لينهل من العلم والدراسة حيث التحق بالجامعة العبرية المفتوحة تخصّص علاقات دولية وقارب على الانتهاء ومُنِع مؤخّراً من إكمال الدراسة بسبب نشاطه في السجن. وقد كانت فترة عزله فرصةً للدراسة حيث كان يدرس 12 ساعة في اليوم وأضحى يتقِن اللغتين العبرية والإنجليزية بطلاقة.