الاحتشاد في الميادين والصراع حول المفاهيم
منصور الجمري ... رئيس التحرير
editor [at] alwasatnews.com
تصغير الخطتكبير الخط
الديمقراطية بمفهومها الحديث تعتمد على سيادة الشعب، وتحقيق هذه السيادة لا يتم إلا إذا تجاوز الجميع الهويات المصغرة والثانوية، مثل الهوية الفئوية أو القبلية، أو الإثنية أو الطائفية. وفي حال توافرت حكومة وطنية فإنها تتولى نشر الوعي الديمقراطي المعتمد على الهوية الجامعة للوطن، وهذا يتطلب التضامن والتعبئة الاجتماعية والعمل التعاوني لتحقيق المصالح العامة وتقاسم الأعباء. كل ذلك يتطلب الإيمان بالمصير المشترك والشعور المشترك بالمبادئ والاستراتيجيات والرهانات المستقبلية.
الربيع العربي بدأ عبر احتشاد الشباب في الميادين مطالبين بالحرية والكرامة، ورفعوا شعارات حضارية تدعو إلى الانتقال نحو الديمقراطية. ولكن الموجة التي تلت ذلك الاحتشاد الشبابي تصدرتها الأحزاب الإسلامية، ولذلك وجدنا في مصر أن الإخوان المسلمين كانوا الخيار المتوافر بصورة منظمة لاستبدال طاقم النظام القديم. ولكن التغيير الذي يطمح إليه المصريون لا يتوقف فقط عند إزالة الطاقم القديم، وإنما في تأسيس نظام ديمقراطي يحترم الإرادة الشعبية، ويكرس سيادة القانون الملتزم بحقوق الإنسان، ولا يلغي المجتمع المدني التعددي، ولا يسيء استخدام السلطات لتحجيم الآخرين وإقصائهم، وفوق كل ذلك لا يندرج في مسارات غير عقلانية على المستويين المحلي والإقليمي.
هذه المفاهيم الأساسية تقع في جوهر أحداث الربيع العربي في كل البلدان العربية من المحيط إلى الخليج. وحالياً ننتظر يوماً حاسماً في مصر، ومهما يحدث في هذا اليوم، فإن ما حدث لحد الآن يوضح خطورة النظرة التي انتشرت في أكثر من بلد عربي بأن الدولة يمكن مصادرتها من قبل جزء من المجتمع على حساب جزء آخر. فالخطأ الذي ارتكبه الرئيس محمد مرسي أنه لم يلعب دوره كما لو كان من أجل كل المصريين، تماماً كما فعل نيلسون مانديلا عندما انتقلت جنوب إفريقيا إلى الديمقراطية.
لقد سادت ثقافة لدى عدد من النخب الحاكمة في أكثر من بلد عربي بأنهم يستطيعون الاستغناء عن جزء من الشعب، مقابل تفضيل فئة أخرى، وأن الحكومة ليس بالضرورة أن تكون وطنية للجميع، وأن مثل هذا النهج يوفر حماية من خلال ضرب المجتمع ببعضه البعض. هذه السياسة التفريقية تضحي بالدولة وتضحي بالوطن، وفي نهاية الأمر لا يتحقق الهدف المرجو من محاولة إلغاء قسم من المجتمع، لأن هذا الإلغاء له كلفته العالية، ونتائجه غير مضمونة على أي حال، وما نشهده في أكثر من بلد عربي دليل على ذلك.
منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3952 - الأربعاء 03 يوليو 2013م الموافق 24 شعبان 1434هـ