الحاكم الأعلى ومواساة الأضعف من الرعية
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ: المسؤولية ازاء الناس تكون على شكل مراحل ومراتب متدرجة، منها السهل البسيط، حيث لا يكون العبء فيها كبيرا، ولا تشمل قرارات المنصب عامة الناس، ومنها الذي يهم حياة الناس بصورة عامة، وهذا يتعلق بالحاكم الاعلى وبصناعة القرار عموما، ولكن يبقى الموظف الادني، مهما كانت مرتبة منصبه ودرجة مسؤوليته، يبقى ممثلا للحاكم الاعلى وينبغي أن يكون امينا في اداء المسؤولية لانه ممثلا للحاكم، فالتقصير الذي ينتج عن تقاعس الموظف الادنى، سيعود بالضرر على سمعة الحاكم الاعلى.
هذا الامر يحتّم على القائد الاعلى ان يختار مساعديه وموظفيه، و الولاة بطريقة تنم عن حرص كبير وتدقيق مهم في قدرات وامكانيات هؤلاء، فضلا عن درجة اخلاصهم وامانتهم في اداء مسؤولياتهم ازاء الناس عموما، كذلك ينبغي أن يكون القائد نفسه نموذجا راقيا للآخرين في الفكر والسلوك وطبيعة التعامل مع الشعب.
عناية الاسلام بانتخاب القائد
لهذا السبب أولى الاسلام أهمية قصوى لقضية اختيار وانتخاب القائد الاعلى للحكومة او للامة، كونه يمثل نموذجا في الادارة الناجحة والقرارات الصائبة، فضلا عن السلوك الأفضل والأنسب للرعية.
يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (السياسة من واقع الاسلام) في هذا المجال: (من الأمور التي اعتنى بها الإسلام بالغ الإهتمام في تعديله وإصلاحه هي -الهيئة الحاكمة-، ونعني بها: الذي يحكمون الناس، من مثل: الرئيس الأعلى للبلاد الإسلامية).
إن الاهمية التي اولاها الاسلام لاختيار الحاكم تؤكد بما لا يقبل الشك، أهمية هذا الاختيار كونه يتعلق بحياة المجتمع عموما لاسيما الفقراء والضعفاء الذين ينبغي أن يكون الحاكم عونا لهم اكثر من غيرهم، لأن القوي والقادر على العيش بكرامة ربما لا يتعرض الى العوز ولا يسحقه الفقر، اما الفقير فهوى اولى من غيره برعاية واهتمام الحاكم، لهذا السبب كانت التعاليم الاسلامية دقيقة و واضحة جدا بخصوص انتخاب واختيار الحاكم.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الشأن بكتابه المذكور نفسه: (انظر إلى الإسلام كيف يعيّن هؤلاء، وكيف أتقن في أمورهم. فالرئيس الأعلى، يجب عليه أن يلاحظ جميع حاجات المسلمين، فيسدها ويغيث الضعفاء والمضطهدين، ويستمع إلى الفقراء والمساكين).
كذلك على الحاكم الاعلى أن يعي الاهمية القصوى التي تنطوي عليها مسؤوليته ازاء الناس، فالمنصب القيادي للحكم او السلطة او الرئاسة، لا يرفع من شأن الانسان فحسب، بل يضعه ازاء امتحان صعب وعسير جدا، يجعله معرضا للانتقاد والحساب الدنيوي كما هو معروف، فضلا عن الحساب الالهي الذي ينتظره بعد رحيله عن هذا العالم.
يذكر سماحة المرجع الشيرازي في كتابه حول هذا الموضوع قائلا: (في مفتتح خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الظاهرية بعد مقتل عثمان خطب الإمام عليه السلام خطبة ذكر فيها مسؤولية الرئيس الأعلى في الإسلام، جاء فيها ما يلي: «إني سمعت رسول الله صلی الله عليه و آله يقول: أيما وال ولي أمر أمتي من بعدي أقيم يوم القيامة على حدّ الصراط، ونشرت الملائكة صحيفته، فإن نجا فبعدله، وإن جار انتقض به الصراط انتقاضة تزيل ما بين مفاصله حتى يكون بين كل عضو وعضو من أعضائه مسيرة مائة عام، يخرق به الصراط، فأوّل ما يلقى به النار أنفه وحر وجهه»).
مع الاضعف من الرعية
من الصفات المهمة للقائد الاعلى ولمن يمثله من الولاة والموظفين عموما في عصرنا الراهن، أن يقف من مع الاضعف دائما، وأن يتم اثبات هذا الامر فعليا من خلال طبيعة الحياة التي يعيشها الحاكم وموظفوه، بمعنى لا ينبغي للحاكم ومن يمثله أن يبذخوا ويعيشوا حياة مرفهة، وهناك أناس ينهشهم الفقر ويطيح بهم المرض والحرمان والجهل.
لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا حول هذا الأمر: (من تكاليف الرئيس الأعلى للدولة الإسلامية، أن تكون معيشته الشخصية ـ في مسكنه، وملبسه، ومأكله، وغير ذلك ـ مثل أضعف الرعية اقتصادياً. وهذا ما لا يوجد إلا في الإسلام. فإنك لا تكاد تجد لذلك من نظير في غير الإسلام. فقد طبق ذلك في سيرة الرسول صلی الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام).
وقد طبق الامام علي عليه السلام هذا الامر على نفسه اولا، لكي يواسي أضعف الناس حالا، إذ نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي بكتابه المذكور حول هذا الموضوع: (لقد طبّق أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام هذه الحكمة الخالدة على نفسه عندما تسلّم أزمّة الحكم في البلاد الإسلامية. فقد ورد في الحديث الشريف أنّه عليه السلام كان لا يأكل اللحم في السنة إلا مرة واحدة فقط وذلك في عيد الأضحى عندما يأكل جميع المسلمين اللحم).
ولم يكتف الحاكم الاعلى بهذا الجانب فقط، بل يجب أن هناك متابعة ومراقبة للولاة والموظفين والمعاونين له، إذ ينبغي محاسبة من يخطئ منهم، فضلا عن التوجيه المستمر لهم، لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على أن: (محاسبة الولاة والعمّال كانت في سيرة الإمام علي أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، لكي لا يستغل بعضهم منصبه ومقامه فيجمع الأموال من أي طريق حصلت ويظلم النّاس).
كذلك مطلوب من المعاونين والموظفين ان يقوموا بمهامهم و وظائفهم على افضل وجه، وإن كانت مسؤولياتهم أقل من الحاكم الاعلى، وحسابهم اقل ايضا، ولكن عليهم ان يقتدوا بسيرة الامام علي عليه السلام، كونه نموذجا انسانيا فذا للحكم والتعامل مع الناس عموما لاسيما الضعفاء والفقراء منهم.
لذلك نقرأ في الكتاب نفسه، لسماحة المرجع الشيرازي قوله في هذا الصدد: (أما الولاة(58) وعمّال الولاة(59) وإن كانت أحكامهم أخفّ من الإمام عليه السلام، ولكن يجب عليهم أيضاً أن يتخذوا مسلك الإمام عليه السلام ويسيروا بسيرته. فإذا كان وال أو عامل لا يمضي على حكم الإسلام كان يعزل).
شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/آيار/2013 - 12/رجب/1434