الشباب... طاقات تذوب على صفيح ساخن
شبكة النبأ: الشباب هذه القوة الناعمة التي تحمل القوة العضلية والذهنية الوقادة، والطموح الكبير والواسع، والهمّة العالية للبناء والتطور. يفترض ان يكونوا العامل الأساس في بناء بلدهم وأمتهم، نرى أنهم اكثر الفئات عرضة للتصدّع والانهيار، بسبب الإهمال والجهل من لدن الأسرة أولاً؛ والمؤسسات الحكومية ثانياً. والسبب الآخر يأتي من الخارج، حيث التيارات الفكرية والثقافية ذات التوجهات الارهابية والعنيفة، تجد في هذه الشريحة الثروة المعدنية المدفونة بين الصخور وغير المصقولة، ذات القيمة العالية والتأثير كبير في معادلة الصراع.
لو نظرنا الى سوح التظاهرات والاحتجاجات، في الجانب الايجابي من العمل السياسي المعارض، وفي الجانب السلبي منه، حيث المجاميع الارهابية والدموية، نجد ان عنصر الشباب هو الأغلب في هذا الحضور المعارض، فالمشكلة التي تواجه بلادنا، أن هذه الفئة لا تجد المساحة للتعبير عن ذاتها، إلا في هكذا أجواء، فنرى التمظّهر بحمل البنادق بانواعها المختلفة، والقنابل والملابس المرقطة، ثم التقاط صور في حالة اطلاق الرصاص او القذائف والتفاخر بها عبر صفحات التواصل الاجتماعي.
السؤال؛ لماذا يكون الشباب الوقود الرخيص للفتن الطائفية والاضطرابات السياسية..؟ كل المعطيات والدلائل تشير الى أن الاسقاطات الاقتصادية، متمثلة في البطالة والتضخم والفساد الاداري وفقدان التوزيع العادل للثروة، هو الذي يدفع الشباب للتعبير عن آرائهم بعنف وحدّة، ومحاولة إثبات وجودهم وتحقيق ذواتهم في الواقع الاجتماعي والسياسي، ولعل الاشارة الى حادثة انتحار "ابو عزيزي"، حرقاً، ذلك المواطن التونسي، يكون دليلاً حيّاً على ما نذهب اليه. وإلا اذا كان لهذا المواطن التونسي، فرصة عمل كريمة ومشرفة، لما اضطر لافتراش الارض وبيع بعض السلع البسيطة، ويحدث ذلك الاحتكاك مع الشرطة التونسية وتقدح الشرارة الاولى للانتفاضة الجماهيرية في تونس، ومن بعدها في البلاد العربية الاخرى.
كذلك الحال بالنسبة للجماعات الارهابية المسلحة، التي تمكنت من ابتلاع أعداد لابأس بها من شريحة الشباب، بل حتى الفتيان الصغار، وزجهم في عمليات عسكرية عنيفة، وبلغ الإجرام ضد هذه الشريحة، أن نشهد تنفيذ معظم العمليات الانتحارية، على يد الشباب، آخرها، كان في العراق، وفي مسجد بمنطقة "سبع البور" بالعاصمة بغداد، فقد انتشر مقطع فيديو مسجل من كاميرا مراقبة للمسجد، كيف أن شاباً صغيراً، لم يتجاوز عمره الثامنة عشر من العمر، يدلف الى المسجد بسرعة، قبل أن يوقفه الحارس الذي كان مشغولاً بسقي الحديقة الأمامية، وفي لحظات فجر الشاب نفسه، مسبباً باستشهاد وجرح العديد من المصلين. واذا سألنا هذا الشاب وغيره، سواءً في العراق وسائر البلاد المبتلات بداء الارهاب الطائفي، عن سبب إقدامه على الانتحار أو ارتكاب الجرائم والاعمال الخطيرة، لأجاب؛ إنه الفساد والانحراف الذي يراه بمنظاره الخاص، أو تأتيه الرؤية جاهزة من شيوخ الافتاء ومنظري العنف الطائفي.
حالة الفساد في دائر الدولة، والسياسات العبثية في حقول الزراعة والصناعة والتعليم، انعكست سريعاً على الشباب، ليتحولوا الى أفراد عبثيين، لا هدف واضحاً لهم في الحياة، وتبعاً لذلك يفقدوا الثقة بالنفس والأمل في العيش الكريم، وتحقيق الأدنى من طموحاتهم وأمنياتهم في الحياة، فربما تكون ساحات العنف الطائفي، وأجواء ما يسمى بالربيع العربي، فرصة للتعبير عن الذات، ومجالاً لتحقيق بعض الطموحات والاحلام. مع اعتقادنا الكامل بالدور المؤثر والأساس للشباب في عملية التغيير والإصلاح والبناء في أي بلد ثائر على الانحراف والفساد، لكن بشرط أن تكون حركة الشباب على صلة مباشرة بالقيادة، وذات مكانة خاصة وواضحة في هيكلية الانتفاضة والثورة، لا ان يكونوا مجرد أدوات قوية وكبيرة للتنفيذ وحسب. لذا نجد الثورات الناجحة في العالم، تلك التي اعتمدت على طاقة الشباب المتعلّم والمثقف.
وحتى نرفع من مستوى الشباب الى المنزلة التي يكون فيها أهلاً لدور رئيسي ومؤثر في نصع الحدث والقرار، لابد من معالجة عوامل التدهور والتدني في المستوى الثقافي والتعليمي، وابرزها العامل الاقتصادي والعامل الأمني.. لنأخذ العراق مثلاً؛ فقد أجر صندوق الأمم المتحدة للسكان – العراق، مسحاً ميدانياً عن اوضاع الشباب شمل الفئة العمرية من (10-30) سنة، وخرج بنتائج عديدة ودقيقة، منها وجود نسبة الشباب الذين يجمعون بين العمل والدراسة (11%)، فيما بلغت نسبة من يدفعون الى العمل بسبب ضعف الحالة الاقتصادية (53%)، كما اشار الاستبيان الى نسبة الشباب الباحث عن العمل، (34%). وتضمن منشور المسح في هذا الاتجاه رسماً بيانياً، يوضح النسبة المئوية لتوجهات واهداف الشباب من الجنسين فكان هدف النجاح في الدراسة هو الخط البياني الاعلى الذي لا يتعدى الـ (50%) ويأتي بعده الحصول على شريك متفهّم ونزولا الى النجاح في العمل وجمع الاموال والمشاركة في الحياة العامة.
في السياق نفسه، تصدى رسم بياني في المسح الوطني للشباب والفتوة في العراق الى القضايا التي تسبب القلق لدى الشباب، وجاءت النتائج متقاربة لدى الجنسين اذ اخذت الحرب الخط البياني الاعلى كقضية تثير القلق فيما تدرجت نزولا وحسب التسلسل قضايا فقدان الامن والحوادث المؤلمة والفشل في الدراسة والمستقبل والتهجير.
مع هذه الاحصائيات البسيطة عن الشباب والظروف المحيطة بهم، يتضح أن المسؤول الاول معالجة مشكلتهم الأساس، هو السياسي ورجل الدولة الذي يملك زمام الأمور في السلطة التنفيذية او التشريعية، فالقوانين والاجراءات المتبعة في أي بلد، من شأنها أن ترسم خارطة طريق خاصة للشباب، وما اذا كانوا يسلكون طريق التعليم والتدريب والتأهيل حتى مستويات رفيعة، أو يكونوا تحت ضغط الاختلال الأمني او التداعي الاقتصادي، فيكون مشحوناً بكم هائل من ردود الفعل أو التوثّب للانطلاق في أعمال عنيفة.
طبعاً؛ المسؤولون المعنيون عادةً، يطلقون الوعود والبرامج والمشاريع التنموية للشباب، لكن على صعيد الواقع نجد الأثر الضعيف والقليل، الامر الذي يستوجب المزيد من التخطيط والعمل الميداني. مثال ذلك ما قامت به وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق، تحت شعار: "المهارات الحياتية أمل الشباب لتحقيق الطموح"، في الآونة الاخيرة، وبالتعاون مع صندوق الامم المتحدة للسكّان، المؤتمر النوعي لبرنامج المهارات في إدارة التدريب المهني في الوزارة. وحسب المصادر؛ قال وزير العمل، نصار الربيعي "ان هذا البرنامج يعد من الخطوات المهمة التي اقبلت عليها الوزارة سعياً منها لبناء قدرات الشباب في مختلف المجالات مضيفاً ان وزارته استطاعت في ظل الفترة السابقة توفير فرص تدريب كثيرة للشباب بضمنها التعليم وبناء القيادات الشبابية ودمجها بالمجتمع والقضاء على البطالة والذي يعد من اهداف الوزارة".
أما مدير عام دائرة التدريب المهني، المهندس عزيز ابراهيم خليل، فقد اشار الى التحديات الحالية التي يواجها العراق، قال: "انها قلصت من الفرص أمام الشباب، ومن هنا سعت وزارة العمل الى تنفيذ برامج تدريبية كثيرة ومهمة للشباب و الان في طور تنفيذ برنامج المهارات الحياتية حيث اعتمد البرنامج على (12) مهارة حياتية واجتماعية".. ويضيف خليل انه تم اشراك (13) متدربا من الوزارة للتخرج بصفة مدربين كما تم اقامة (10) دورات تدريبية عام 2012 والى الآن تم اشراك (190) متدربا في برامجنا.
هذه البرامج وغيرها، يجب ان تكون عاملاً لخفض المستويات المرتفعة للبطالة في العراق والبلاد الاسلامية الاخرى، ففي أوج الاضطرابات الأمنية والمواجهات الطائفية في العراق، بلغ معدل البطالة الى (28) حسب احصائيات وزارة التخطيط لعام 2008. وفي غير ذلك، يبقى الشباب، بطاقاته وقدراته، نهباً للرياح العاتية ذات اليمين وذات الشمال، وبدلاً من أن عامل تقدم ونهوض لبلده، يستحيل أداة ومعولاً للهدم والدمار مادياً ومعنوياً.
شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/تموز/2013 - 5/رمضان/1434