السادة حينما يركلون عبيدهم!
محمد علي الهرفي
محمد علي الهرفي ... كاتب سعودي
comments [at] alwasatnews.com
تصغير الخطتكبير الخط
في التاريخ البشري قديمه وحديثه نماذج بشرية متعددة الأهواء والمشارب والمذاهب، فهناك المستكبرون في الأرض، وهناك المتواضعون لله أولا ثم للناس ثانيا، وهناك نموذج آخر فريد في نوعه وفريد في تركيبته النفسية وهذا النموذج يعد من اسوأ أنواع النماذج البشرية على الاطلاق وهو النموذج الذي ارتضى لنفسه أن يكون عبدا للحاكم، وللظالم منهم على وجه الخصوص مهما علت درجة ظلمه وفساده، هذا النوع يدافع عن عبوديته كما يدافع عمن استعبده ويشعرك بأنه مستلذ بهذه العبودية ولا يمكنه الابتعاد عنها على الاطلاق! ومع أن الواقع الذي نعيشه والتاريخ الذي نقرأه يؤكدان أن المتسلط قد يركل عبده اذا استغنى عن خدماته في أي لحظة فإن كثيرا من العبيد مازالوا يتمسكون بعبوديتهم ويحنون الى مستعبدهم مهما فعل بهم!
إبليس - كبير الطغاة - ومع هذا فله من يحبه ويدافع عنه وينفذ تعاليمه بكل جد واجتهاد، وقد حرص ابليس منذ طرده من الجنة على إفساد كل من يعبد الله من كل أصحاب الديانات السماوية، واستطاع أن يقنع البعض بما يدعو اليه فكفروا بالله وعبدوه ظنا منهم أنهم يتقربون اليه لأنه الأفضل والأصلح!
ولكن إبليس عندما جاءت ساعة الحقيقة لم يستطع حماية عبيده الذين أضاعوا حياتهم الدنيوية والأخروية من أجله فأعلن لهم أنه بريء منهم وأنه لا يستطيع تقديم أي نفع لهم! وقد تحدث القرآن الكريم عن هذا الموضوع في أكثر من سورة ليبين حالة العبيد مع من أطاعوه وعبدوه لكنه في نهاية المطاف تخلى عنهم وأسلمهم لمصيرهم البائس، قال تعالى في سورة الحشر (16 - 17) «كمثل الشيطان اذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال اني بريء منك اني اخاف الله رب العالمين، فكان عاقبتهما انهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين»، وتتكرر الصورة ومع الشيطان في موقع آخر ومع النوعية نفسها من العبيد، وقد تحدث عنها القرآن قائلا «وقال الشيطان لما قضي الامر ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فاخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا انفسكم ما انا بمصرخكم وما انتم بمصرخي اني كفرت بما اشركتمون من قبل ان الظالمين لهم عذاب اليم» (إبراهيم: 22).
لم يكن الشيطان وحده من اتخذ له عبيدا من البشر ولكن بعض البشر فعلوا مثله فاتخذوا لهم عبيدا واستساغ العبيد عبادة أسيادهم ظنا منهم أنهم أصبحوا في مكانة مرموقة الى جانب سادتهم لكن آمالهم خابت حينما أخذ منهم سادتهم كل شيء ثم ركلوهم بعد ذلك! ومن هؤلاء ابن العلقمي وهو وزير الخليفة المستعصم العباسي إذ خان وطنه وأمته وتحالف مع أكبر عدو لها آنذاك وهو «هولاكو» لإسقاط الخلافة وقتل الخليفة مقابل إعطائه إمارة بغداد، وقد تحقق لهولاكو ما يريد ولكنه عامل ابن العلقمي معاملة الخائن لأن الذي يخون وطنه لا يمكن الوثوق به، ومات الخائن مقهورا ذليلا بعد بضعة أشهر!
ونصل الى تاريخنا الحديث فنجد أن اميركا تخلت عن مجموعة كبيرة من عبيدها حينما أدوا أدوارهم المرسومة وتركتهم حيارى لا يعرفون أين يذهبون!
فقد تخلت عن شاه ايران وقد كان واحدا من أقوى حلفائها عندما وجدت أنه ساقط لا محالة فلم تقف معه رغم كثرة مطالباته لنجدتهم، وربما كان يذكرهم بأنه قد قدم لهم كل شيء وأنه كان واحدا من عبيدهم المخلصين، لكنهم أصموا آذانهم عن استغاثاته، وتركوا الخميني يفعل به ما يشاء فقد انتهت الحاجة اليه! بل إنهم لم يسمحوا له بالعيش في بلادهم لاجئا كغيره من سائر الناس فاتجه الى مصر ومات فيها مغموما مقهورا!
وكررت اميركا المشهد ذاته مع صدام حسين وقد كان رجلها المفضل في المنطقة وكان وزير دفاعها رامسفيلد يثني عليه كثيرا فلما انقلب عليهم قال عنه «إنه يمثل أحد أشد الأنظمة فسادا ووحشية على وجه البسيطة» ثم حدث منهم تجاهه ما يعرفه الجميع. وما فعلته أميركا مع من أشرت اليهم ستفعله قطعا مع آخرين مهما قدموا لها من تنازلات فالسادة لا يقيمون وزنا لعبيدهم.
إن الذي يحدث مع الدول الكبيرة تجاه عبيدها قد يحصل مع الكبار تجاه الصغار؛ فقد يستسيغ الصغار ان يكونوا عبيدا للكبار يحققون لهم كل ما يريدون ويدافعون عن كل أفعالهم مهما كانت سيئة، ولكن هؤلاء العبيد الذين امتلأت نفوسهم ذلة وحقارة يجدون أنفسهم خارج لعبة الكبار عندما تستنفد الاغراض التي جيء بهم من أجلها! نجد هذه النماذج في بعض الاعلاميين والكتاب ومدعي الثقافة والموظفين وآخرين من أشباههم؛ فهؤلاء يزينون للكبار كل ما يفعلون مهمها كان منكرا ومخالفا لكل الأعراف والقوانين ولكنهم يجدون أنفسهم وبعد فترة ليست بالطويلة أنهم أصبحوا مفضوحين وأن سادتهم أصبحوا بحاجة لغيرهم ولهذا ركلوهم بأقدامهم والى غير رجعة وتركوهم عبرة للتاريخ يكتب عن مخازيهم ويتندر بهم ويحذر من أمثالهم من الخونة والمأجورين.
على الإنسان أن يضع نفسه في المكان الذي يرتضيه لنفسه، وأن يدرك أن القبول بالعبودية للبشر أمر مخز يجب الابتعاد عنه وأن الوقوف مع الحق هو الحرية وهو المطلب المشروع لكل البشر.
محمد علي الهرفي
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3994 - الأربعاء 14 أغسطس 2013م الموافق 07 شوال 1434هـ