وزارة التنمية... عهد جديد أم سياسة قديمة؟
قاسم حسين
قاسم حسين ... كاتب بحريني
Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com
تصغير الخطتكبير الخط
كان أول لقاءٍ مباشرٍ مع وزيرة التنمية الاجتماعية الجديدة فائقة الصالح بعد أربعة أيام من تعيينها، وذلك في حفل توزيع المنح المالية للمشاريع الفائزة للجمعيات الأهلية، يوم الأربعاء (10 ديسمبر/ كانون الأول 2014)، في فندق الريجنسي.
مشروع المنح المالية، هو أفضل ما تركته الوزيرة السابقة فاطمة البلوشي للوزيرة الجديدة، إلا أنها أيضاً تركت لها أيضاً ركاماً كبيراً من الإجراءات البيروقراطية والقرارات التي تتناقض تماماً مع «التنمية الاجتماعية» وتعرقل أهدافها. واصطدمت خلال فترة ولايتها مع «الصناديق الخيرية»، (وعددها 84 منتشرة في مختلف مناطق البحرين)، بدءًا بالحرب الدونكيشوتية على تغيير أسمائها إلى «جمعيات»، التي دامت ثلاث سنوات، حتى وصلت إلى البرلمان، وانتهاء بالحرب على «الحصالات»، التي كانت الصناديق الخيرية توزّعها على محلات السوبرماركت والبرادات الصغيرة والمخابز الشعبية وتمثل لها مورداً مالياً لا بأس به، يدعم عملها الخيري.
هذه الوسيلة البسيطة (الحصالات) فرضت عليها الوزارة قيوداً بتسجيلها رسمياً في مبنى الوزارة، لتعيين المكان وبدء تاريخ السماح وانتهاء التصريح. مثل هذه الأفكار التعقيدية تنم عن طاقم إداري ليس لديه ما يعمله، وهو ما انتقدناه بشدةٍ حينها (وللتذكير بالتناقضات... وزعت الوزارة بنفسها الحصالات لجمع التبرعات في مطار البحرين الدولي). هذا إلى جانب ما ستُذكر به الوزيرة السابقة لدورها في تقويض مؤسسات المجتمع المدني، بعد أحداث فبراير 2011، وقبلها أيضاً، في سلسلة المعارك التي دخلتها مع «جمعية التمريض البحرينية» مثلاً، و«المحامين» و«المعلمين» وسواها.
في الأسبوعين الماضيين، بدأت تصل الصحافة شكاوى من الصناديق الخيرية، وكلها تدور حول تطبيق إجراءات معقّدة إضافية وقيود جديدة على عملية جمع التبرعات، بل وفرض فتح حسابات جديدة لكل مشروع على حدة. وهو أشبه ما يكون بالإجراء التعجيزي، ويؤكّد نظرية وجود طاقم إداري غير كفؤ، ليس لديه ما يعمله غير لعبة اختراع هذه الخيوط المتشابكة.
من الحقائق التي قد يجهلها البعض، أن أغلب العاملين في الجمعيات الخيرية من المتطوعين، ممن يقتطعون من أوقات راحتهم للعمل الخيري. وعرفت أشخاصاً يضحون حتى بساعات اللقاء مع عوائلهم وعلى حسابأطفالهم من أجل هذه الأعمال الإنسانية النبيلة. ولا ندري في أي خانة يمكن أن نضع هذه الإجراءات والقرارات التي تزداد عدداً وتعقيداً، شهراً بعد شهر.
العمل الخيري يحتاج إلى جهة رسمية متفتحة، لا تنظر إليه بعين الشك والريبة، وأن ترى في الجمعيات الخيرية سنداً لها وعضداً وعوناً، وليس منافساً أو خصماً، خصوصاً أن الوزارة تدرك جيداً حجم ما تتحمله هذه الجمعيات من أعباء، وحجم ما ترفعه عن كاهل الوزارة من التزامات لا يقل عمّا تقدّمه شهرياً على مدار العام.
العمل الخيري يحتاج إلى جهةٍ رسميةٍ متفتّحة، لا تخلط الأمور، ولا تدس مشاريع الحروب الخارجية على «الإرهاب»، لتطبّقها على جمعيات خيرية داخلية، تنتشر على كامل التراب البحريني، وكل همّها وهدفها إغاثة المحرومين وإنقاذ الطبقة الفقيرة من العوز والحاجة، وحفظ كرامة الفقراء.
العمل الخيري بحاجةٍ إلى عقلية إدارية جديدة تتجاوز ميراث العهد القديم بكل سلبياته وأخطائه، وتبني على خير ما تركه من إنجازات، وتنطلق إلى نطاق أكثر رحابة وتفتحاً وتفهماً وتعاوناً مع الجمعيات الخيرية، التي تعتبر خير تجربة أهلية قائمة على العمل المؤسسي، أبدعتها البحرين لنفسها خلال ربع القرن الأخير.
كل الأمل بالوزيرة الجديدة، أن تصحّح الأوضاع الخاطئة التي شوّهت عمل ودور الوزارة، وأن تراجع كل القرارات البيروقراطية التي تعرقل العمل الخيري، وتحبط العاملين المتطوّعين الذين لا يريدون جزاءً ولا جائزة تقديرية ولا شكوراً.
اضغط لقراءة المزيد من مقالات: قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 4600 - الأحد 12 أبريل 2015م الموافق 22 جمادى الآخرة 1436هـ