سقوط الحكم والمعارضة في مصر (1)
لا صوت في مصر الآن يعلو على صوت المعركة بين المعارضة والحكم التي يجري الإعداد لها في الثلاثين من يونيو الجاري. وقد هالني مستوى الخطاب السياسي والإعلامي لكلا الطرفين والذي وصل إلى درجة مرعبة من الكراهية والعنف اللفظي والتحريض على القتل بشكل علني، وهو ما ينبئ بمواجهة دامية وصدامات عنيفة من المتوقع أن تنشب بين أنصار كلا الطرفين ما لم تتراجع قياداتهما عن هذا المسار. وقد سمعت أقطابا من المعارضة تصف جماعة "الإخوان المسلمين" بأنها "حركة احتلال يجب تطهير البلاد منها ومن مخططاتها"، هكذا تحدث أحدهم بكل ثقة وحماسة في أحد البرامج الحوارية التي لا تفعل شيئا سوى سكب المزيد من الزيت على النار. في حين وصف أحد أنصار الرئيس محمد مرسي المعارضة بـ"الكفار" وقام بالتحريض على مواجهتهم "وتخليص البلاد من شرورهم"، وذلك على مرأى ومسمع من مرسي الذي لم يستهجن ما قيل وكأنه راضٍ عنه.
طيلة الأسابيع الماضية تحدثت مع عدد من قيادات التيار الإسلامي، وكذلك بعض من الرموز الليبرالية والعلمانية، ناهيك عن حديثي المتواصل مع رجل الشارع العادي وبعض المواطنين. وقد سجلت بعض الملاحظات العامة التي ربما تمثل مدخلا لفهم طبيعة الأزمة الراهنة في مصر وتستكشف ما قد يحدث خلال الأيام القليلة المقبلة.
أولا: لا توجد علاقة بين المواجهة الدائرة بين الحكم والمعارضة والديمقراطية أو الثورة. وإنما هي صراع وجود ومعركة حياة أو موت يحاول كل طرف حسمها لصالحه. فقد بات كل طرف لا يتصور وجوده في ظل بقاء الطرف الآخر.
ثانيا: لا يقتصر الصراع بين الطرفين على السلطة فحسب، وإنما أيضا على الدولة من أجل تشكيل هويتها وروحها وشخصيتها وطابعها الفكري والثقافي والحضاري حسبما يريد. فكلا الطرفين (الإسلاميين والعلمانيين) لديه رؤية لمصر وللكون تكاد تكون مناقضة للطرف الآخر. فالإسلاميون يرون أن مهمتهم الأساسية هي تصحيح هوية الدولة المصرية بحيث تصبح هوية إسلامية على الطريقة التي يفهمون بها الدين، وذلك من أجل وقف مظاهر التغريب والفساد الأخلاقي الذي أصاب هذه الدولة على أيدي الحداثيين والعلمانيين، وذلك حسب قولهم. في حين يرى معارضو الإسلاميين أن هوية الدولة المصرية قد باتت في خطر شديد، وأن استمرار الإسلاميين في السلطة يعني الارتداد إلى عصور التخلف والانحطاط، وهو ما يستوجب التدخل الفوري لوقف هذا الخطر والتخلص منه قبل فوات الأوان، وذلك مهما كلف هذا الأمر.
ثالثا: لا يتورع أي من الطرفين أن يستحضر كل ما لديه من وسائل وأدوات من أجل حسم المعركة وكسب الصراع لصالحه. فعلى سبيل المثال لا يجد "الإخوان المسلمون" غضاضة في التحالف مع كافة التيارات الإسلامية بما فيها تلك التي تتبنى خطابا راديكاليا عنيفا تجاه خصومهم. بل وصل الأمر إلى استخدام بعض رموز التيار الجهادي من أجل توصيل رسائل تخويف وترهيب للقوى السياسية التي تخطط لتظاهرات الـ30 من يونيو. ويبدو أن الجماعة لا تلقي بالًا بصورتها التي سوف تتضرر كثيرا من التماهي مع التيارات السلفية والراديكالية ومحاولة توظيفهم في المعركة مع الخصوم. على الجانب الآخر لا يستحي معارضو الإخوان من الاستعانة ببقايا ورموز النظام القديم من أجل التخلص من جماعة الإخوان والرئيس مرسي وكأن ثورة لم تقم.
د. خليل العناني كاتب وأكاديمي مصري
kalanani@gmail.com