قاسم يصف مساعي تحويل مسجد أبي ذر إلى حديقة بـ «المنكر»... ويُطالب المسلمين بالوحدة ونبذ الفتنة الطائفية
الشيخ عيسى قاسم
تصغير الخطتكبير الخط
الدراز - محرر الشئون المحلية
اعتبر خطيب جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز الشيخ عيسى قاسم في خطبته أمس الجمعة (28 يونيو/ حزيران 2013)، المساعي الرسمية لتحويل موقع مسجد أبي ذر الغفاري في النويدرات إلى حديقة عامة بأنه «منكر»، وفيما استنكر التعاطي الرسمي مع ملف المساجد المهدومة في البحرين، طالب جموع المسلمين بالوقوف في وجه الفتنة الطائفية وبضرورة العمل على تعزيز الوحدة بين مختلف الطوائف الإسلامية.
وتحت عنوان «مأساة مستمرة»، قال قاسم في خطبته: «هي مأساة المساجد في البحرين المسلمة، مأساة هدم وألوان من التعديات وتعطيل إنشاء، ومنعٍ لإعادة البناء، ومحاربة للصلاة في مساجد مهدمة ثابتة المسجدية قبل زمن طويل».
وأضاف «قد صار هذا كله ورقة، وهي من صناعة السياسة القائمة، موظفاً لاستثمار هذه الورقة على يدها لإثارة الروح الطائفية ومحاولة إشعال فتنتها، صار ورقة رابحة فيما تراه وتستهدفه بتركيزها على مساجد طائفة محددة، وبقي هذا منذ بدأ مستمراً وسيرة عملية قائمة لحد الآن تصرّ عليها السلطة، وكل ذلك ظاهر المنافاة مع واضح الدين وثابت الشريعة، وينضم إلى ذلك ومن أجل تحقيق هدف الفرقة والفتنة والاقتتال بين إخوة الدين والوطن، الدفع بالبعض وتحت اللافتة المذهبية وإن لم يكن بدافع مذهبي ولا يمتلك تبريراً من أي مذهبٍ من مذاهب الإسلام لمناصرة هذا المنكر البشع والمشاركة فيه».
وشدد قاسم على أن «ما ينبغي لأبناء الطائفتين الكريمتين من هذا الشعب المسلم ألا تتخفى عليهم اللعبة السياسية وغرضها الدنيء، فلا يذهب الظن بطائفة بأن هذا العمل المجافي للاسلام قد جاء انتصاراً من السياسة لها ومن منطلق الغيرة على المذهب الذي تنتمي إليه، فما يضر أي طائفة من المسلمين أن يبقى مسجد من المساجد الإسلامية بني قبل عشرات السنين ومئات السنين ويبقى عامراً بالصلاة والذكر وما هو من دين الله وفي خدمة الدين، ويبقى مفتوحاً حسب مسجديته لصلاة أهل المذاهب المختلفة، بلا أن تملك أي طائفة أن تحجره عليها بالخصوص، وإن كان من الأوقاف التابعة لها».
وواصل قاسم «ثم ينبغي ألا تظن طائفة أخرى بأختها في الإسلام سوءاً أبداً، وأنها شريكة في هذه السياسة المعادية للمقدسات، ولا تصدق بأن من يشارك في جريمة هدم مسجد من المساجد التابعة لأوقافها، والتعدي عليها بأي لون من التعدي، أو تعطيل وظيفته، أو الوقوف في وجه الصلاة فيه يمثل موقفه هذا الطائفة التي ينتمي إليها والمذهب الذي يتعبّد به، وأن هذه المشاركة المدانة منه مشاركة منها لا ينبغي أن يذهب الظن بأحدنا إلى هذا على الإطلاق».
وأوضح قاسم أن «مسجد ثابت المسجدية تمر عليه عشرات السنين وأكثر من ذلك، ثم يهدم ظلماً وتمنع إعادة بنائه وتعطل الصلاة فيه، ويقف الجند والسلاح في طريق من يريد أداء الفريضة على أرضه شاهدٌ لا تنقصه الدلالة على الاستخفاف بالإسلام وإهانته».
ورأى قاسم أن «ما جرى في الأسبوع الماضي من منع الصلاة على أرض مسجد أبي ذر في النويدرات والمهدم لأكثر من مرة بقوة الجند والسلاح، ودخول عناصر أخرى في العملية غير قوة الأمن الرسمية يحمل دلالتين معاً، المعاداة للمساجد وهي معاداة للإسلام لا لمذهب بخصوصه، واستهداف إحداث الفتنة الطائفية».
وشدد على أن «على المسلمين من كل المذاهب ألا ينسوا إسلامهم في هذه المواقف، وأخوتهم الإسلامية، ولا يحققوا لأحد هدف الفرقة، وأن يكونوا وقوداً لنارها».
واستدرك قائلاً «يبقى في الموضوع سؤال: فرض طوقٍ أمني مشدد وإقامة حراسة مكثفة على مسجد أبي ذر، لحماية مسجديته وقداسته كما ينبغي وعن أن يعبث به وينجس ويهان على يد وثنيين يخاف من دخولهم فيه لهذه الأعمال المنافية لمكانة المسجدية؟ لو كان كذلك لكان شيئاً مشكوراً، أم أن هذا كله لمنع المسلمين المصلين الموحدين من الصلاة فيه وللمنع من بنائه وإعماره واستبداله إلى حديقة عامة كما يتناقل، إنه المنكر، والمنكر الصريح الفاضح، لإن كان الثاني وهو المتعين، فهو الموقف المنسجم مع حرمة المسجد وحرمة الإسلام، ومكانة الدين في بلد إسلام والمجتمع المسلم والذي يستحق المناصرة ممن ناصره ومن يناصره من أبناء المجتمع المسلم، أيمكن أن يقال كذلك؟».
وتحت عنوان «قبل أن تقع الكارثة»، قال قاسم: «قبل أن يعدم العقل، أن يغيب الضمير، أن تنطمس البصيرة، أن يختفي الدين، أن تتفرد العواطف الجامحة بالقرار، أن يسود الجنون، أن يفلت الزمام، أن تتفجر أحقاد جاهلية، أن تنطلق شرارة الطائفية، أن تلتهب نارها، أن تغرق الفتنة الضارية المفنية كل شعوب الأمة، كل أرض الإسلام، قبل ذلك كله وقبل أن تغلب الأزمة القدرة على السيطرة ويقع الإثم الكبير، وتعم الجاهلية السوداء، وتستحق الأمة سخط ربها، على كل مسلمٍ له بقية من إسلام، له شيء من بصيرة، له قدر من التفكير في العواقب، له احترام لدينه، رحمة بأمته، حسّ إنساني كريم، فهم وتقدير لثوابت الإسلام ومقرراته، اعتقاد بحرمة الدم المسلم أن ينهض في وجه الفتنة، أن يقول كلمة نصحٍ لمثيريها ومروّجيها وأصحاب الفكر التكفيري والتوجه الإرهابي الإباحي لدماء المسلمين، أن يبذل كل جهد ممكن، أن يقاوم موجة الحقد الزاحفة، أن يخطو خطوة ولو واحدة للحد من غلواء الشعور الطائفي القتّال الذي آلى قومٌ على أنفسهم أن يثيروه ويغذّوه ويؤجّجوه ويلهبوه ويمتدوا به إلى كل شبر من أرض الإسلام والعالم، وإلى كل نفس من نفوس المسلين وأن يعجّلوا بانفجار أوضاع الساحة الإسلامية لتحترق هذه الساحة وأهلها جميعاً».
وأضاف «لنكن جميعاً أيها المسلمون الغيارى من كل المذاهب، على نباهة وعلم بأن هناك جاهلاً ومن له فهم مغلوط بمذهبه والإسلام، وهناك معقَّداً، وهناك حاقداً، وعدواً للأمة كل الأمة، ومستفيداً من فرقتها، وموظفاً لتمزيق وحدتها، ومجنداً من نفسه أو مجنداً من غيره ومطية لسياسة دنيوية منحرفة، أو تخطيط متآمر على الأمة، منطلقٍ من الرغبة الجامحة في القضاء عليها، وطمس نور الإسلام، وكل أولئك يشتركون في جريمة إشعال الفتنة وتغذية الشعور الطائفي، والتحضير لحالة الانفجار المدمر حتى إذا اشتعلت الفتنة وتصاعد لهبها هرب من هؤلاء من هرب، وولَّى عنها من تولى، واختبأ من اختبأ، وتوارى من توارى طالباً النجاة له ولأهله ولولده تاركاً الأمة تغرق في دمائها وتفني نفسها على يدها، وتقضي على معالم دينها».
وواصل قاسم حديثه في هذا الموضوع قائلاً: «من له أيها المسلمون أن يجد نصاً واحداً من الكتاب الكريم أو السنة المطهرة الثابتة أو أي كلام ينهض حجة شرعية بينه وبين الله سبحانه، يبيح للشيعي أن يقاتل السني حتى يتشيع، أو للسني أن يقاتل الشيعي حتى يتسنن، لا شيء من ذلك على الإطلاق، ولا شيء يدل على حكم الإباحة في هذا المجال، فضلاً عن أن يوجد ما يدل على الوجوب أو الاستحباب، ولكنها البدعة، والبدعة الصريحة الفاضحة، والمروق الصريح عن الإسلام».
وذكر قاسم «واضح أن الداخل في هذا الأمر خارج عن حكم الإسلام بحرمة دم المسلم وماله وعرضه والثابت بصورة قطعية من الإسلام ولا خلاف فيه، وحديث الفرقة، وأن الأمة تفترق إلى سبعين فرقة أو أكثر موضوعه الافتراق في إطار الإسلام الظاهري الكافي لعصمة دم المسلم وعرضه وماله، وليس من موضوعه أن الأمة تفترق إلى سبعين فرقة أو أكثر، أمة واحدة منها مسلمة والباقي أمم كافرة - هذا ليس عندنا، حديث الفرقة لا يعطي هذا، أن هناك فرقة هي مسلمة وأما باقي الفرق فهي أمم كافرة تخرج عن حكم الإسلام الظاهري، هذا لا يوجد، لو حمل الحديث أحد هذا المعنى لكان تعسفاً وظلماً وجوراً على النص، أمة واحدة منها مسلمة والباقي أمم كافرة يخرج التابع لها عن الحكم العام السابق الذي يعم المؤمن والفاسق المطيع من المسلمين والعاصي والعالم والجاهل إلا من أخرجه موجب خاص منصوص عليه حديث أو آية واضحة إلى حكم القصاص أو حدٍّ من الحدود، إنه لا عذر قطعاً لأحد ولا مكان للتذرع بالدين وبالمذهب في نشر الفتنة الطائفية وتأجيجها ليصير المسلمون إلى الاقتتال ويسفك الدم الحرام».
وعرّج للحديث عمّا حدث في مصر، وقال: «عما حدث في مصر، من اقتحام بيت من بيوت المسلمين، من أتباع آل رسول الله صلى الله عليه وآله، وقتل أربعة ممن فيه في مجزرة بشعة، ماهو إلا جاهلية جهلاء وضربٌ للقيم الإسلامية والأحكام الشرعية بعرض الحائط، وجريمة نكراء ترتكب جهاراً نهاراً وبصورة تزلزل الضمير الإنساني وتمثل احتقاراً شنيعاً لإنسانية الإنسان، زاد ذلك كله شناعة وبشاعة أن تسحب جثث الشهداء على الأرض سحباً وتجرّ جرّاً ليعطي ذلك صورة غليظة بغيضة موحشة من صور الوحشية وغياب الدين والإنسانية والضمير، والتولّع بالجريمة، وهل يمكن أن يُقبل من حكومة مصر ومن أي مؤسسة وجهة مسئولة هناك أن تتعامل بسهولة مع هذا العدوان السافر والجريمة النكراء والفوضى العارمة؟ هذا لا يُقبل منها ديناً، ولا يُقبل منها على خط السياسة العادلة».
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3948 - السبت 29 يونيو 2013م الموافق 20 شعبان 1434هـ