في مقابلة مع صحيفة غارديان، لام الرئيس المصري محمد مرسي المعارضة على ما وصلت إليه مصر اليوم، وقال إنه سيبقى حتى نهاية ولايته، قاطعًا الطريق على كل الدعوات لانتخابات رئاسية مبكرة.
تعهد الرئيس المصري محمد مرسي بألا تكون هناك ثورة ثانية في مصر، التي تشهد محافظاتها منذ يوم الأحد تظاهرات لم تعرف البلاد نظيرًا لها، منذ ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 مطالبة برحيله بعد عام واحد على توليه الرئاسة. ورفض مرسي في مقابلة مع صحيفة غارديان البريطانية مطلب المعارضة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وقال إنه لن يسكت على أي انحراف عن النظام الدستوري. وذهب مرسي إلى أن استقالته في وقت مبكر ستقوض شرعية خلفه، وتمهد الطريق لفوضى لا تنتهي. وقال مرسي: "إذا غيَّرنا أحدًا في منصب انتُخب اليه بموجب الشرعية الدستورية سيكون هناك من يعارضون الرئيس الجديد ايضًا، وبعد أسبوع أو شهر سيطلبون منه التنحي". ومضى الرئيس المصري يقول: "ليس هناك مجال لأي حديث ضد هذه الشرعية الدستورية، يمكن أن تكون هناك تظاهرات واشخاص يعبرون عن آرائهم، لكن المهم في هذا كله إقرار الدستور وتطبيقه، فهذه هي النقطة الحرجة".
فلول مبارك
ينبئ موقف التحدي الذي اتخذه مرسي في حديثه الصحفي باختبار قوة ساحته في شوارع القاهرة وأمام قصر الاتحادية الرئاسي. وبدا مرسي الذي يقف في عين العاصفة واثقًا من نفسه ومن بقائه. وحين سُئل مرسي ما إذا كان واثقًا من أن الجيش لن يتدخل للسيطرة على بلد لم يعد قادرًا على حكمه، أجاب أنه واثق جدًا من ذلك. لكن ثقة مرسي ينقضها الجو المشحون من حول الرئيس، الذي كان يعقد اجتماعات متواصلة مع كبار مسؤولي الدولة، بمن فيهم رئيس الوزراء هشام قنديل ووزير الداخلية محمد ابراهيم والعديد من الضباط، بينهم وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة الفريق عبد الفتاح السيسي، الذي أدت تصريحاته المبهمة أخيرًا إلى تكهنات واسعة الانتشار بشأن تدخل الجيش، كما تلاحظ صحيفة غارديان.
وكان مرسي انتقل من قصر الاتحادية، مقر الرئاسة التقليدي المسوَّر بكتل خرسانية عالية، إلى قصر القبة مسقط رأس الملك فاروق. وقال في حديثه إن قنوات اعلامية خاصة ضخمت قوة خصومه، واتهم مسؤولين موالين للرئيس السابق حسني مبارك بوقوفهم وراء أعمال العنف، "فهؤلاء لديهم المال، لديهم مال الفساد، ويستخدمون هذا المال الحرام لتقويض النظام وإعادة النظام السابق إلى السلطة، انهم يدفعون هذا المال الفاسد إلى البلطجية ثم يحدث العنف".
المعارضة مسؤولة
ذهب مرسي إلى أن دولًا تتدخل في شؤون مصر، لكنه رفض أن يذكرها بالاسم. وحين سُئل عما إذا كان يعني دولًا خليجية اجاب: "كلا، انا اتحدث بصفة عامة، فإن لكل ثورة اعداءها، وهناك البعض ممن يحاولون أن يعرقلوا مسيرة الشعب المصري نحو الديمقراطية، وأنا لا أقول إن ذلك مقبول ولكننا نلاحظه في كل مكان".
واعترف مرسي لأول مرة في حديث لوسائل اعلام ناطقة بالانكليزية بأنه نادم على اصدار الاعلان الدستوري، الذي منحه سلطات واسعة، في خطوة ادانتها المعارضة بوصفها عودة إلى الاستبداد، وتراجع عنها مرسي بعد فترة قصيرة.
وقال: "أنا ساهمتُ في إشاعة قدر من سوء الظن في المجتمع"، نائيًا بنفسه عن مادة في الدستور الجديد تمنح الدين دورًا كبيرًا في تشريع القوانين المصرية، وتُعد من اشد مواد الدستور خلافية. وقال مرسي لغارديان: "لستُ من عدَّل هذه المادة، فأنا لم اتدخل في عمل الجمعية التأسيسية على الاطلاق". واكد أنه سيقترح تعديلات دستورية لمناقشتها في اول جلسة يعقدها البرلمان، بعد انتخاب اعضاء مجلس الشعب المنحل حاليا بقرار قضائي.
ورد مرسي على المعارضة التي تقول إن فشله في تحقيق التوافق أدى إلى الاستقطاب الذي تعيشه مصر اليوم قائلا إن رفض السياسيين العلمانيين المشاركة في العملية السياسية هو المسؤول عن الطريق المسدود. ونفى زرع ادارته بالاسلاميين على نطاق يتعدى حدود النسبة والتناسب. ومضى يعدد العروض الكثيرة التي قال انه قدمها لإشراك غير اسلاميين مدافعًا في الوقت نفسه عن حق الرئيس المنتخب شعبيا في تعيين حلفائه. وقال: "هذا هو مفهوم الديمقراطية الحقيقية".
دعم عام
اكد مرسي أنه لم يعرض ذات يوم منصبًا على منسق جبهة الانقاذ الوطني المعارضة محمد البرادعي، لكنه اشار إلى منير فخري وجودة عبد الخالق، قائلًا انهما وزيران يمثلان المعارضة استقالا ضد رغبته. واضاف: "هذا هو الوضع. نعرض عليهم مناصب وهم يرفضون". وتابع مرسي أن مقترح الحوار مع ممثلي المعارضة ما زال قائمًا، رغم تأكيد المعارضة أن مثل هذه اللقاءات مضيعة وقت، لأن مرسي لا يفعل سوى الموافقة اللفظية على وجهة نظرها. ومن الاتهامات التي توجه إلى مرسي خيانته هدفًا اساسيًا من أهداف ثورة 2011، هو اصلاح الأجهزة الأمنية. وتجنب مرسي منذ توليه الرئاسة انتقاد الشرطة حتى بعد اتهامها بارتكات انتهاكات خطيرة ضد حقوق الانسان. وبعد مقتل اكثر من 40 شخصًا في كانون الثاني (يناير) الماضي إثر اشتباكات مع قوى الأمن في مدينة بورسعيد، أثنى مرسي على الشرطة ومنحها سلطات اوسع. وحين سُئل عن رفضه المستمر لانتقاد انتهاكات الشرطة، ذهب الرئيس المصري إلى انه كان يريد بثنائه على الشرطة أن يكون ثناءً بمعنى عام. وقال: "حين أقول انا أدعم الشرطة او الجيش فإني اتحدث عن الجيش عمومًا وعن الشرطة عمومًا، هذه المؤسسات صالحة عمومًا وبالتالي إذا كانت هناك انتهاكات معينة أو جرائم أو خروقات من جانب بعض الأفراد، فإن القانون يأخذ مجراه".
كما يُتهم الرئيس مرسي بالتهرب من معالجة الاتهامات الموجهة إلى الأجهزة الأمنية بارتكاب خروقات خطيرة في زمن النظام السابق. وبعد انتخاب مرسي، شكل لجنة لتقصي الحقائق بشأن انتهاكات الشرطة وقوات الجيش خلال انتفاضة 2011 وبعدها. لكنه لم ينشر قط تقرير اللجنة. وعندما سُرب التقرير الذي يكشف عن ممارسات تدين الجيش والشرطة في نيسان (ابريل) الماضي إلى صحيفة غارديان، اختار مرسي أن يشيد بالجيش والشرطة ويصدر قرارًا بترقية ثلاثة ضباط كبار.
أكبر اكتشافاته
طيلة المقابلة التي استمرت ساعة كاملة، أشار مرسي إلى أن تعنت المسؤولين الذين ما زالوا يعشعشون في جهاز الدولة من عهد مبارك هو الذي يعرقل اصلاح مؤسسات الحكم، مثل وزارة الداخلية المسؤولة عن الشرطة. وتحدث عن عناد الدولة العميقة وتأثيرها في ادارة البلد، ورغبة البعض من فلول النظام السابق في ممارسة الفساد، واصفًا الفساد المتفشي في جهاز الدولة بأنه من أكبر الاكتشافات المقيتة لسنته الأولى في الرئاسة.
وفي الوقت الذي تخللت مشاعر الاحباط إزاء الدولة العميقة في مصر كلام مرسي في المقابلة، فانه حرص على تأكيد ثقته بالقيادة العليا للقوات المسلحة، وتحديدًا بالفريق السيسي. واعترف مرسي بأنه لم يكن على علم مسبق بتصريحات السيسي في 23 حزيران (يونيو) التي بدا فيها كأنه يمهل السياسيين المدنيين اسبوعًا لحل خلافاتهم. وقال مرسي: "نحن نتحادث باستمرار لكن لا يمكننا أن نقيد كل كلمة يقولها المسؤولون في هذا البلد". وإذ نظر مرسي إلى المتحدث باسمه لأول مرة خلال المقابلة ذهب ايضا إلى أن الجيش احترق بانغماسه السابق في السلطة، وقال: "إنهم الآن منشغلون بشؤون الجيش نفسه".
باقٍ باقٍ
شدد مرسي على شرعيته الديمقراطية، لكن المعارضة ترى انه لم يحتضن القيم الديمقراطية الأوسع التي يقتضيها نجاح الديمقراطية. ويدين معارضو الرئيس المصري تعيينه طلعت عبد الله نائبًا عامًا، متهمين النائب العام بفتح قضايا سياسية ضد ناشطين واعلاميين ينتقدون الرئيس، مثل علاء عبد الفتاح الذي برز اسمه خلال الانتفاضة، والمعلق السياسي الساخر باسم يوسف.
لكن مرسي رفض اتهامات المعارضة للنائب العام، قائلًا إن عبد الله يعمل بصورة مستقلة، "وإن القضايا التي تتحدثون عنها بلاغات قدمها مواطنون أو محامون وتعاملت معها النيابة، فالنيابة والقضاء مستقلان استقلالا تاما". كما اضاف: "إذا أراد أحد أن يقول إني تدخلتُ في عمل النائب العام، فعليه أن يقدم دليلًا على ذلك، ومثالًا على هذا التدخل".
وفي وقت يراهن معارضو مرسي على أن تكون هذه سنته الأولى والأخيرة، فإن الرئيس المصري توقع أن يبقى حتى نهاية ولايته. وقال: "كانت سنة صعبة جدًا، واعتقد أن السنوات المقبلة ستكون صعبة ايضًا، لكني آمل بأن أعمل طول الوقت كل ما بوسعي لتلبية حاجات الشعب المصري والمجتمع".
- See more at:
http://www.elaph.com/Web/news/2013/7/821234.html?entry=arab#sthash.4dmtEMum.dpuf