من حديث التاريخ عن الثورات
أ.د. يوسف رزقة
طباعة+ مشاركة
مواضيع متعلقة20 شهيدا بقصف مخيم اليرموك بدمشق الفلسطينيون ضحايا الثورة السورية مسلسل عمر والثورة السورية
يحدثنا التاريخ عن ثورات تآكلت من داخلها ، وعن ثورات التهمتها الثورة المضادة بعد أن غفل أبناؤها عن واجباتهم .المشهد المصري غني بهاتين الحقيقتين اللتين تحدث عنهما التاريخ ، فبعض رفقاء وصانعي ثورة (25 يناير المجيدة)اختلطوا مع الثورة المضادة ومعهم حملة عرش النظام المنحل الذي قاده مبارك لمدة (30 عاما). وهاهم يعيشون في الميادين وبينهم صور المخلوع ، وبينهم متحدثون باسم النظام المنحل ،وهو مشهد يثير تساؤلا مهماً يقول لماذا ثرتم إذاً في (25 يناير)؟! ولماذا تحالفتم مع من ناديتم بسقوطه الآن ؟!.
الأحاديث التي تقدم كمبررات لهذه الحسابات الخاطئة تقوم على شيطنة الإخوان ،وعلى اتهام محمد مرسي بالطيبة والفشل معا ، واتهام هشام قنديل بالعجز ، بينما الأمر ليس كذلك ، ولا يتعدى نوعا من الصراع على السلطة ، وحسدا وكراهية لمرسي وللإخوان ،ورفضا لحكم التيار الإسلامي ،حتى ولو كان في الرفض هدم للديمقراطية. هذا ما يعنيه أو بعض ما يعنيه التاريخ من تآكل الثورة من داخلها ، حيث سمح هذا التآكل بإضعاف قيادة الثورة من ناحية ، وفتح طريقا واسعا للثورة المضادة لكي تتسلق المشهد وتعبر عن نفسها بلغة الثوار لإعادة إنتاج الماضي .
إنه كما ويحدثنا المشهد المصري عن تآكل داخلي للثورة ،يحدثنا أيضا عن ثورة مضادة استنمرت وكشرت عن أنيابها وحسبت أن الفرصة سانحة أمامها لالتهام الثورة المجيدة تحت زعم إسقاط حكم الإخوان ، والحقيقة ليست كذلك ،لأن ما يطلبه قادة الثورة المضادة هو الثورة المجيدة التي أزاحتهم من كرسي القيادة .
الثورة المضادة توجه أقوى أسهمها القاتلة الآن لمحمد مرسي وللإخوان ،ولكن السهم المخبأ في الكنانة الاحتياطية سيكون لجبهة الإنقاذ وللأحزاب الليبرالية واليسارية ،لأن الثورة المضادة تسعى لاستعادة الاستبداد ولن تسمح بالحريات التي سمح بها محمد مرسي ووثقها الدستور الجديد .
هاتان الحقيقتان اللتان تبرزان في المشهد المصري الآن تواجههما حقيقة ثالثة وقوية وكبيرة هي (تحالف الثورة المجيدة الذي يضم التيارات الإسلامية والوطنية الواعية ،إضافة إلى المستقلين)، الذين يؤمنون بالديمقراطية والحرية ويرفضون الاستبداد ولديهم استعداد للتضحية لهزيمة الثورة المضادة .
في ضوء مكونات المشهد السياسي من هذه الزاوية نستطيع القول بأن الثورة المصرية التي بدأت في 25/يناير/2011 ما زالت مستمرة وتحاول أن تستكمل نفسها بعد أن أحست بخطر التآكل الداخلي ، وبخطر الثورة المضادة التي نزلت إلى الشارع تحاول أن تستنسخ الماضي بملابس الثورة أو المعارضة . إن استمرار ثورة يناير المجيدة يعني أن الثورة تواجه التهديدات الخارجية ، وتعمل على تطهير نفسها من التآكل الداخلي ، تحقيقا لأهداف الثورة ، وبناء لديمقراطية حقيقية مستقرة تمنع الأخطار المتوقعة وغير المتوقعة ، والمشكلة ليست مرسي والإخوان أبدا.