هوى النفس عدو الانسان الأول
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ: أهواء النفس تكاد تكون لا محدودة ولعلها تشكل نقطة الضعف التي يحاول الشيطان من خلالها أن يدخل الى الانسان ويدمر ارادة الخير فيه، ونحن هنا لسنا بصدد الاهواء اللازمة او تلك التي تُعدّ من مقومات العيش المشروعة، ولكن كلامنا هنا يتعلق بتلك الاهواء التي لا تكف النفس بالسعي الى تحقيقها تحت ضغط رغباتها الغريزية مدفوعة بإغراءات شيطانية متواصلة، ولن يتخلص منها سوى الانسان القادر على كبح جماح نفسه من خلال التقوى والورع والاعتدال والصفات الايمانية الاخرى التي يتحصّل عليها ويستطيع من خلالها ان يحجّم أهواءه وفقا لمرضاة الله سبحانه وتعالى.
وفي هذا الجانب جاء في الآية الكريمة: (﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى*فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾(1).
وجاء في كتاب (العلم النافع) لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي حول هذا الموضوع:
(إنّ الخوف من مقام الله ونهي النفس عن الهوى وجهان لشيءٍ واحد قوامه الورع والتقوى في الذين آمنوا. فمتى نهى المؤمن نفسه عمّا تهواه يكون قد خاف مقام ربّه، ومتى خاف مقام ربّه فقد نهى النفس عن الهوى. فالعطف هنا شبه تفسيريّ.
ولعلّ الحكمة في ذكر الجانبين في سياق واحد هو ظهور أحدهما لبعض الناس أسرع من الآخر، فقسمٌ من المؤمنين يخاف أوّلاً مقام الربّ فينهي نفسه عن هواها وبعضهم بالعكس، ينهى نفسه عن هواها فيخاف مقام ربّه).
وفي كلا الحالتين يتطلب هذا الامر سيطرة تامة على نوازع النفس، ولعل الوسيلة الاقوى لتحقيق هذا الهدف تكمن في لجوء الانسان بصورة صادق وحقيقية الى الدين الذي يستطيع ان يحميه من الزلل ومن ضغط النفس والشيطان معا ودفعه الى مآرب الشطط والشر بفعل الرغبات التي لا تكف عن التوقف والدفع والاغراء لتحقيقها وهذا يعني بأن الانسان قد استسلم لأهواء نفسه وهي عدوه الاول الذي سيطيح به في حضيض الخطايا ويبعده عن جادة الصواب.
وقد جاء في كتاب المرجع الشيرازي (العلم النافع) حديثا روي عن الامام الصادق عليه السلام يقول: «احذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم، فليس شيءٌ أعدى للرجال من اتّباع أهوائهم»(2).
وهكذا يتبين لنا خطر أهواء النفس على الانسان في حال لم يتم السيطرة على رغائبه الكثيرة والمتنوعة التي غالبا ما يدفعه الشيطان لمحاولة تحقيقها بشتى الطرق والوسائل، وهذا ما يقودنا الى وجوب التحامي من اهواء النفس بالوسائل الايمانية التي تشكل دعامة ومصد حماية للانسان من أهواء نفسه وغرائزه التي تدفعه الى الخطأ في وقت تحميه الحكمة ومخافة الله عز وجل من هذا الشطط الخطير وقد جاء في كتاب العلم النافع للمرجع الشيرازي:
روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «أخوف ما أخاف عليكم اثنان: اتّباع الهوى وطول الأمل، فأمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة»(3).
وهنا يتحتم على الانسان أن يحمي نفسه من هذا الخطر المتمثل بأهوائها اللامحدودة ولكن كيف يتم او يتحقق له ذلك، إن هذا الهدف الهام يعالجه المرجع الشيرازي في كتابه العلم النافع حيث جاء في الصدد:
(ولكن كيف يمكن للإنسان الحصول على ملكة نهي النفس عن الهوى؟ لاسيّما طلاب العلوم الدينية الذين آثروا حرمان أنفسهم عن جملة من الزخارف لأنّهم إذا اتّبعوا الهوى تركوا آثاراً سلبيةً أكثر على من يعيشون معهم؛ نظراً لما يتوقّعونه منهم.
إنّ خسارة أهل العلم ـ والعياذ بالله ـ فيما إذا اتّبعوا الهوى كالخسارة المادّية للشخص الذي تقرّب من ملك أو رئيس أو تاجر ليستفيد منه ومع ذلك لم يستفد من مقامه أو أمواله، حينها سيكون أكثر حسرة وخسارة من الإنسان البعيد عنه كليّاً، وعليه؛ فإنّ خسارة من سلك هذا الطريق متزلّفاً ولم يظفر بجملة من المظاهر الدّنيويّة ستكون أكبر).
من هنا يرى سماحة المرجع الشيرازي بأن خسارة طلاب العلوم الدينية ستكون اكثر في حال خضوعهم لاهواء النفس، ويبقى الدين والالتزام بتعاليمه وتطبيقها بما يحقق مرضاة الله تعالى هو الطريق الاصوب والاقصر لتلافي اخطار عدو اللانسان المتمثل بأهواء النفس.
..................................................................
هامش:
(1) سورة النازعات، الآية: 40 ـ 41.
(2) الكافي: ج2 ص335، باب اتباع الهوى، ح1.
(3) نهج البلاغة: ج1 ص92 رقم42.
شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 10/آيار/2009 - 13/جمادى الآولى/1430