المرجع الشيرازي: شهر رمضان فرصة اختيارية لإصلاح النفس
العلماء إذا حسنت سيرتهم سينالون أجراً كبيراً وإذا ساءت سيرتهم فسيتحمّلون أوزاراً كبيرة
شبكة النبأ: قال المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله إن شهر رمضان المبارك هو خير فرصة لإصلاح النفس، وهذه الفرصة هي من النعم الإلهية، وهي نعمة اختيارية وليست إجبارية، إي إن الإنسان مخيّر بالاستفادة منها وانتهازها لإصلاح نفسه، وإن كان الدعاء والتوسّل الى الله تعالى – هو الآخر - لازماً وضرورياً لنيل توفيق إصلاح النفس. واضاف إن العلماء قدوة للناس، والناس يتّبعون العلماء ويتعلّمون منهم، وهذا الأمر يضاعف من مسؤولية العلماء. فالعلماء إذا حسنت سيرتهم سينالون أجراً كبيراً وكثيراً في الآخرة، وإذا ساءت سيرتهم - لا سمح الله - فسيتحمّلون يوم القيامة أوزاراً كبيرة.
جاء ذلك في كلمة قيمة ألقاها سماحة المرجع دام ظله بمناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك ـ وكالسنوات السابقة ـ بجمع من الأساتذة وطلاب الحوزة العلمية من طهران وأصفهان وقم ومشهد المقدستين، وبجمع من العلماء والفضلاء من العراق وسورية والمنطقة الشرقية والكويت ، وذلك في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة، يوم الأربعاء الموافق للثالث والعشرين من شهر شعبان المعظّم 1431 للهجرة. بحسب موقع مؤسسة الرسول الاكرم الثقافية.
وأشار سماحته في مستهلّ كلمته إلى ضرورة الاهتمام بشهر رمضان المبارك والاستفادة من بركاته أكثر، مؤكّداً: استناداً إلى الروايات والأحاديث الشريفة عن الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، يجب على المؤمنين أن لا يغفلوا عن الاستفادة من هذا الشهر الفضيل.
وقال سماحته: إن شهر رمضان المبارك هو خير فرصة لإصلاح النفس، وهذه الفرصة هي من النعم الإلهية، وهي نعمة اختيارية وليست إجبارية، إي إن الإنسان مخيّر بالاستفادة منها وانتهازها لإصلاح نفسه، وإن كان الدعاء والتوسّل الى الله تعالى – هو الآخر - لازماً وضرورياً لنيل توفيق إصلاح النفس.
وفي جانب آخر من حديثه قال سماحته: إن العلماء قدوة للناس، والناس يتّبعون العلماء ويتعلّمون منهم، وهذا الأمر يضاعف من مسؤولية العلماء. فالعلماء إذا حسنت سيرتهم سينالون أجراً كبيراً وكثيراً في الآخرة، وإذا ساءت سيرتهم - لا سمح الله - فسيتحمّلون يوم القيامة أوزاراً كبيرة.
وذكر سماحته مثالاً بهذا الصدد وقال: كان الشيخ خضر من كبار العلماء، وكان فقيهاً متبحراً وزاهداً مخلصاً، وكان من تلاميذ المرحوم السيد بحر العلوم وصاحب سرّه. وقد نال الشيخ خضر مرتبة رفيعة في الشهرة وخلود الذكر من بين الألوف من العلماء الذين دفنوا بجوار الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهم.
ينقل عنه أنه قال: ذات مرة وبينما كان السيد بحر العلوم يزور المرقد الطاهر للإمامين العسكريين صلوات الله عليهما، مستقبلاٌ الضريح الطاهر، تاركاً ظهره للقبلة، رأى الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف، فقال له الإمام: «تنحَّ». وكان مقصود الإمام صلوات الله عليه هو أن يبتعد السيد بحر العلوم قليلاً عن الضريح، لأن الضريح حينها كان أصغر من مرقد الإمامين صلوات الله عليهما، إي إن السيد بحر العلوم كان يقف على جزء من تربة المرقد الطاهر، ولذلك طلب منه الإمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف أن يبتعد قليلاً. فالتزم السيد بحر العلوم بقول الإمام إلى آخر لحظة من حياته، ولم يذكر ذلك إلاّ للشيخ خضر فقط. وبعد رحيل السيد بحر العلوم أفشى الشيخ خضر هذا الأمر.
يتبيّن لنا من هذه القصة أمران:
الأول: تشرّف السيد بحر العلوم بلقاء الإمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف.
الثاني: أن الشيخ خضر كان أميناً وصاحب سرّ. وقد نال الشيخ خضر هذه المرتبة الرفيعة لأنه كان من تلاميذ السيد بحر العلوم، أي تربى على يديه، فكان متقيّاً ومجاهداً لنفسه وهواها.
كما أشار سماحته إلى نموذج من علماء السوء كالشافعي وقال: يعتبر الشافعي، الذي عاصر الإمام الكاظم صلوات الله عليه، من كبار علماء العامة ونوادرهم، وهم ـ أي العامة وعلماءهم ـ إلى الآن يعتمدون على كتبه. وذكر التاريخ عنه أنه: في الفترة التي كان الإمام الكاظم صلوات الله عليه فيها رهين سجون هارون العباسي وكان الإمام صلوات الله عليه يتعرّض لأنواع الأذى والتعذيب والعلويون يتعرّضون للإبادة والقتل الجماعي بأمر هارون، كان الشافعي ذات مرّة حاضراً في بلاط هارون، فسألوه: أنت بارع وعليم في موضوع الإجماع والمسائل الإجماعية، فبيّن لنا واحدة من مسائل الإجماع. فقال الشافعي وكان هارون حينها حاضراً مع جمع من رجال وعلماء البلاط: إن هذا الرجل ـ ويقصد هارون ـ هو أمير المؤمنين، وهذا أمر قد اُجمع عليه، وكل من يعارضه فمصيره القتل.
وعقّب سماحته متسائلاً: إذن فكيف سيكون حال طلاب وتلاميذ هذا العالم ـ الشافعي ـ الذي لم يلتزم بتقوى الله تعالى؟ لاشك أن تلاميذه سيكونون مثله.
وشدّد سماحته قائلاً: علينا جميعاً أن نلتزم بأمرين:
الأول: إصلاح النفس ومجاهدتها. فقد ذكرت الروايات الشريفة أنه: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك»(1)، فعلينا أن نسعى إلى قمع هذا العدو أكثر من سعينا واهتمامنا بحماية أبداننا من الميكروبات. فالسيد بحر العلوم نال المراتب المعنوية الرفيعة بمجاهدة نفسه وقمع هواها.
الثاني: أن نسعى إلى هداية الآخرين. فالهداية لها نطاق واسع ولا تنحصر ولا تحدّ بتأليف الكتب أو ارتقاء المنبر، بل إن تربية الأفراد الصالحين وتنمية طاقاتهم يدخل في نطاقها أيضاً.
لذا مع وجود نسبة من الحرية في دنيا اليوم باتت ممارسة الهداية وإصلاح الناس ودعوتهم إلى الحق أسهل من الماضي الذي كان الإنسان فيه يقتل لمجرّد روايته حديثاً واحداً فقط عن فضائل أهل البيت صلوات الله عليهم.
ذكر التاريخ أنه: قال رجل للحجاج: إن أهلي عقّوني فسمّوني عليّاً، فغيّر اسمي وصلني بما أتبلّغ به فإني فقير. فقال الحجاج: للطف ما توصّلت به قد سمّيتك كذا ووليتك العمل الفلاني فاشخص إليه(2).
وقال سماحته مؤكداً ضرورة ممارسة الهداية: إن هداية الناس واجب كفائي، ولكنه يصبح واجباً عينياً إذا لم يوجد من فيه الكفاية وإذا لم يعمّ عمل الهداية الناس كلّهم. فاليوم وفي وسط الملايين من المدن والقرى الموجودة في أرجاء المعمورة، هل هنالك اكتفاء في عدد المبلّغين؟ وهل توجد قرية أو مدينة غنية عن التبليغ والهداية؟
لذلك فإن تربية الناس ودعوتهم إلى أهل البيت صلوات الله عليهم هي اليوم واجب عيني على المبلّغين وأهل العلم.
وفي جانب آخر من كلمته القيّمة، أكّد سماحته ضرورة مطالعة كتاب (الصحيفة السجادية) والتأمل في مضامينه، ووصفه بأنه «كنز مجهول» وقال: هذا الكتاب الشريف والثمين يجهله عامة الناس، وعلى أهل العلم أن يضاعفوا من التدبّر في الصحيفة السجادية، كي يزدادوا معرفة، ولكي تكون عباداتهم أكثر خلوصاً. فيجدر قراءة فقرات من هذا الكتاب الثمين يومياً، لأنه يرسّخ الإيمان، ويرفع المستوى العلمي، ويعطي القدرة على ممارسة التبليغ والهداية أكثر وأكثر.
وقال سماحته بهذا الصدد: اطّلع رجل - وكان عالماً أديباً وخبيراً بعلوم البلاغة - على كتاب الصحيفة السجادية، وعندما قرأ العبارة التالية منه وهي: «اللهم إني أصول بك عند الضرورة»(3) اُغرم بالكتاب ووله به، وأدرك أن نصوص هذا الكتاب هي لإنسان عظيم، وعلى أثر ذلك اهتدى إلى نور أهل البيت صلوات الله عليهم وتشيّع.
وفي سياق حديثه أكّد المرجع الشيرازي ضرورة التدبّر في القرآن وتلاوته في شهر رمضان المبارك، وفهم معانيه وتفسيره، كلٌّ حسب قدرته ومستوى فهمه، وذلك بأن يختار كل مؤمن عدداً من آيات القرآن ويتأمّل في معانيها ويتفكّر في مضامينها.
كما أكد المرجع الشيرازي ضرورة إصلاح النفس وقال: يقول الإمام الصادق في مضمون حديث عنه صلوات الله عليه: إن الشيطان يتربّص بأتباع أهل البيت ويسعى إلى إنحرافهم أكثر من غيرهم، وقد ذكر الإمام صلوات الله عليه بهذا الصدد قصة بلعم بن باعوراء وكيف أنه رضخ لنفسه الأمّارة بالسوء، وقال صلوات الله عليه ما مضمونه: كان بلعم بن باعوراء عالماً ونال مراتب رفيعة، منها أنه اُعطي الاسم الأعظم، فكان يدعو به فيستجاب له، لكنه صار أسير نفسه الأمّارة بالسوء، فطُرد من محضر الله تعالى حتى وصفه القرآن الكريم: «فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ»(4).
أما العالم الصالح فله مراتب رفيعة عديدة، منها ما ذكره رسول الله في وصفه درجات أهل العلم، حيث قال صلى الله عليه وآله: «يَسْتَغْفِرُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ فِي الأرْضِ حَتَّى الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ»(5).
وفي ختام كلمته أشار سماحته إلى سعة نطاق ممارسة الهداية وقال: إن المؤمن ينال المراتب الرفيعة والأجر الكبير بهدايته رجلاً واحداً فقط، ونموذج ذلك: علي بن مهزيار الأهوازي. فقد كان علي بن مهزيار شاباً مسيحياً، واهتدى إلى نور التشيّع بواسطة أحد أتباع أهل البيت، فصار يدعو الناس إلى أهل البيت، وبذل كل جهوده ومساعيه وإمكانياته في هذا السبيل وأخلص، وكان متحليّاً بالصبر والاستقامة في هذا السبيل، فنال المراتب الرفيعة من مراتب الصالحين، وارتقى في ذلك بأن نال شرف اللقاء بالإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف. وإنما نال علي بن مهزيار شرف اللقاء بالإمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف بسبب إخلاصه ومساعيه التي بذلها في هداية عدد من الناس إلى نور أهل البيت صلوات الله عليهم.
إن الشخص الذي هدى علي بن مهزيار إلى التشيّع له عند الله أجر كبير وعظيم ما كان يناله حتى لو ختم القرآن ألف مرة.
إذن علينا أن نمارس الهداية بأقوالنا وأعمالنا دوماً، وأن نكون القدوة في ذلك كما قال الإمام الصادق صلوات الله عليه: «كُونُوا دُعَاةً لِلنَّاسِ بِالْخَيْرِ بِغَيْرِ أَلْسِنَتِكُمْ لِيَرَوْا مِنْكُمُ الاجْتِهَادَ وَالصِّدْقَ وَالْوَرَعَ»(6).
............................................
1) عدّة الداعي/ ص 307.
2) شرح نهج البلاغة/ لابن أبي الحديد المعتزلي/ ج4/ فيما روي من سبّ معاوية وحزبه لعليّ صلوات الله عليه/ ص58.
3) الصحيفة السجادية/ الدعاء (20) في مكارم الأخلاق ومرضيّ الأفعال/ ص92.
4) سورة الأعراف: الآية 176.
5) أصول الكافي/ ج1/ باب ثواب العالم والمتعلّم/ ص34/ ح1.
6) أصول الكافي/ ج2/ باب الصدق وأداء الأمانة/ ص105/ ح10.
شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 10/آب/2010 - 29/شعبان/1431