على نفقة الشعب... 200 سفرة مجانية لروما!
هاني الفردان
البحرين تعيش أزمة مالية حقيقية، ولذلك توجهت الدولة في 17 سبتمبر/ أيلول 2015 إلى تشكيل «حكومة مُصغَّرة تُعنى بحلِّ المشكلات المالية وبالسرعة الممكنة»، بعد تأثر البحرين بالأوضاع المالية بسبب تدنّي أسعار النفط والالتزامات الأخرى»، ذلك التوجه الذي لم يتم تلمسه بشكل واضح، صاحبه إعلان حالة تقشف علنية.
وبلغت ذروة حالة التقشف حين طالت الكتب المدرسية، حيث وزّعت وزارة التربية والتعليم بداية العام الدراسي كتباً «مستهلكة وبالية» على الطلبة ضمن خطتها «في إطار الترشيد وخفض الكلفة والاستخدام الأمثل للموارد»، مع العلم أن تكلفة طباعة تلك الكتب المدرسية لا تتجاوز مليونين ونصف المليون دينار سنوياً من موازنة التربية التي بلغت هذا العام 318 مليون دينار.
أزمة مالية كبرى تعيشها البحرين، تكشف عن حجم تأثر البحرين بالأوضاع المالية الحالية التي خلفها انخفاض سعر برميل النفط إلى ما دون الـ50 دولاراً حالياً في الكثير من الأحيان، ورفعت العجز المالي لذروته، بل بلغ الدين العام لمنطقة الخطر حتى تم وضع البحرين ضمن التصنيف الإئتماني «عالي المخاطر».
ومع ذلك الحديث، وذلك التوجه، لازالت أطراف حكومية، تسير عكس التيار، وعكس ما هو معلن عن حالة التقشف الحكومية وتقليص النفقات على المهرجانات والفعاليات والوفود «عابرة القارات» التي لا نفع منها، ولا تفعل شيئاً سوى «هدر المال العام».
من حق الشعب البحريني أن يسأل، على نفقة من تصرف الأموال على 200 «مندوب» يشاركون ضمن وفدٍ في فعالية «هذه هي البحرين» العابرة للمحيط الأطلسي والقارات، والذي يزور عواصم غربية آخرها التي سيتم تنظيمها في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل في العاصمة الإيطالية روما، وذلك بعد تنظيمها العام الماضي في مدينتي واشنطن ونيويورك لرفع رسالة «الحب والتسامح» للشعب البحريني!
من حق شعب البحرين الذي رفعت عليه أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء والوقود، وفرضت عليه الكثير من الرسوم، والذي فرض عليه شد الحزام وقبول «التقشف» حتى طالت كتب المدارس! من حقه أن يسأل عن تلك الفعاليات التي تهدر المال العام على شخصيات بعضها «متمصلحة» هدفها الاستجمام وزيارة العواصم الغربية والسكن في أفخم الفنادق على نفقة الشعب وعلى حسابه، وعلى رزقه ورزق أبنائه، وحتى قوته.
من أين تأتي موازنة تلك الفعالية؟ ومن سيعيد ذلك المال العام المهدر بغير وجه حق، بينما المواطن البحريني يفرض عليه «الضغط على بطنه» والصفع على رأسه، وقوبل بـ5 دنانير «دعم» عن تعويض اللحوم وكتب بالية مستهلكة لأبنائه، بينما الآلاف من الدنانير تهدر على سفرات مجانية وعبثية، ولا طائل من ورائها.
المواطن البحريني، يقع ضحية التلاعب في المال العام، بعض هذا المال مهدور في ما لا يستفيد منه، وما هو أكبر من ذلك أن يتحمّل المواطن العادي الذي تفرض عليه إجراءات «تقشفية»، وتحمل تبعات السياسات المالية طوال السنوات الماضية لم تستطع حمايته أو وقف ذلك الهدر. فهل المطلوب من المواطن البحريني أن يشد الحزام على نفسه، فيما تصرف الدولة على 200 «مندوب» في سفرات سياحية مجانية، كاملة وجبات الرفاهية في العواصم الأوروبية؟
هل هناك مسئول قادر على الخروج بوضوح ليواجه الرأي العام ويذكر إيجابيات ومكاسب تلك السفرات التي تقدّم بالمجان، وماذا حققت الحكومة من خلالها، وما هي المكاسب التي يمكن أن يتلمسها الإنسان البحريني والمواطن العادي الذي أثقلت عاتقه الهموم والأعباء؟
أيعقل أن يكون الحديث الحالي عن أزمة مالية، وينظم ملتقى حكومي لمراجعة سياسات سابقة، ودعوة الناس لتحمل الأوضاع الصعبة المقبلين عليها، فيما تهدر الأموال العامة على رحلات استجمام مجانية، وتوقيع مذكرات «تفاهم للسلام والمحبة بين جميع الأديان»!
هل من المقبول أن يتحمل المواطن تبعات الأزمة المالية الحالية، فيما ترسل وفود رسمية وأهلية للاستجمام والسياحة في العواصم الغربية بحجج وذرائع «واهية» تحت مسمى الدفاع عن سمعة البحرين، أو نشر التسامح بين الأديان!
تلك الوفود، وتلك الزيارات السياحية المجانية، هي على نفقة الشعب، ومن تعبه ورزقه، فأوقفوها رأفةً بالناس وأوضاعهم، واحتراماً لمشاعرهم في ظل ما يعيشونه من أوضاع صعبة. فليس منطقياً أن يفرض على المواطن شد الحزام والقبول بالتقشف الرسمي، فيما تصرف آلاف الدنانير على 200 شخص ليستجموا في منتجعات أوروبا.
أوقفوا هذا الهدر وخصّصوا تلك الموازنة لكتب طلاب المدارس، فهي أفضل رسالة تحمل في طياتها الكثير وتعكس مفهوم رسالة «هذه هي البحرين» بعجائبها وغرائبها.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5133 - الإثنين 26 سبتمبر 2016م