مدونة شيعة مملكة البحرين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مدونة شيعة مملكة البحرين

لماذا .. إشرب الماء وإذكر عطش الحسين؟! ترك استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) عطشانا، لوعة في قلوب مواليه ومحبّيه، اذ أصبحوا يذكرون عطشه مع رؤية كل نهر أو معين عذب، لأن الماء يثير ذكريات عطش يوم الطفّ. قال الإمام الصادق (عليه السلام) عن عطش الحسين (علي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 سيرة الإمام محمد بن على الباقر عليه السلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
جعفر الخابوري
المراقب العام
المراقب العام
جعفر الخابوري


عدد المساهمات : 733
تاريخ التسجيل : 27/06/2013

سيرة الإمام محمد بن على الباقر عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: سيرة الإمام محمد بن على الباقر عليه السلام   سيرة الإمام محمد بن على الباقر عليه السلام Emptyالخميس يونيو 27, 2013 11:27 pm

سيرة الإمام محمد بن على الباقر عليه السلام



الإمام الباقر (عليه السلام)
هو الإمام أبو جعفر باقر العلوم وخامس الأئمة أبصرت عيناه النور في المدينة المنورة يوم الجمعة الأول من شهر رجب عام سبعة وخمسين من الهجرة. يسمى محمداً، وكنيته أبو جعفر ولقبه باقر العلوم.
ولد طاهراً مطهراً ـ كغيره من الأئمة ـ تحيط به هالة من الجلال والعظمة.
ينتسب الأمام الباقر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي والزهراء (عليهما السلام) من كلتا الجهتين ـ الأب والأم ـ فأبوه هو الأمام زين العابدين ابن الإمام الحسين، وأمه هي السيدة الجليلة أم عبد الله بنت الأمام الحسن المجتبى(عليه السلام).
وقد كانت عظمة الأمام الباقر حديث الخاص والعام، فحيثما دار الحديث عن رفعة الهاشميين والعلويين والفاطميين فهو ينظر إليه على انه الوريث الأوحد لكل تلك القدسية والشجاعة والعظمة وانه الهاشمي العلوي الفاطمي بعدهم.
ومن خصائصه انه كان اصدق الناس لهجة وأنضرهم وجهاً وأكرمهم خلقاً.

وفيما يلي نذكر جانباً من منزلته وجلاله:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأحد صحابته الأجلاّء وهو جابر بن عبد الله الأنصاري: يا جابر ستعيش حتى تدرك ولدي محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: الذي اسمه في التوراة الباقر فإذا كان ذلك فأبلغه سلامي.
وتوفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعمّر جابر طويلاً... فدخل يوماً دار الإمام زين العابدين فرأى الإمام الباقر (عليه السلام) وهو لا يزال طفلاً يافعاً فقال له: أقبل فأقبل، قال: أدبر فأدبر، وجابر ينظر إليه ويراقب مشيته وحركاته فقال: انها شمائل النبي ورب الكعبة.
ثم التفت إلى الإمام السجاد (عليه السلام) وسأله: من هو هذا الطفل ؟
قال: انه ابني وهو الإمام من بعدي « محمد الباقر ».
فقام جابر وقبّل قدميه وقال: فداك نفسي يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، تقبّل سلام وتحيّات أبيك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فانه بعث إليك بسلامه.
فإمتلأت عينا الإمام الباقر (عليه السلام) بالدموع وقال: السلام على أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما دامت السماوات والأرض وعليك يا جابر بما أبلغتني سلامه.
________________________________________
ـ مصباح المتهجد، للشيخ الطوسي ص557.
ـ قال عنها الإمام الصادق (عليه السلام): «كانت من النساء المؤمنات التقيات المحسنات ». تواريخ النبيى والال، للتستري، ص47.
ـ أمالي الشيخ الصدوق، ص211، الطبعة الحجرية.


علمـه:
كان الإمام الباقر (عليه السلام) كسائر الأئمة يأخذ علمه من منبع الوحي فلم يكن لهم من يعلمهم وهم لا يتعلمون من بشر فكان جابر بن عبد الله يأتيه ويكتسب منه العلم ويقول: « يا باقر ! اشهد انك أوتيت العلم صبياً ».
يقول عبد الله بن عطاء المكي: ما رأيت العلماء يتواضعون لأحد كتواضع الحكم بن عتيبة ـ وكان له عند الناس منزلة علمية رفيعة ـ بين يدي الإمام الباقر (عليه السلام)، فكأنه طفل بين يدي معلمه.
وقد كان سمو شخصيته وعظمة علمه تأخذ بالألباب حتى أن جابر بن يزيد الجعفي كان يقول عنه:
«حدثني وصي الأوصياء ووارث علوم الأنبياء محمد بن علي بن الحسين...».
سأل رجل عبد الله بن عمر عن مسألة فبقي متحيراً في جوابها ثم أشار إلى الإمام الباقر (عليه السلام) وقال: سل من هذا الغلام وأعلمني بالجواب. فسأل الرجل الإمام عنها وسمع منه جواباً مقنعاً، ونقل ذلك لعبد الله بن عمر، فقال عبد الله: « إن هؤلاء أهل بيت جاءهم العلم من عند الله ».
ينقل أبو بصير: إنني كنت برفقة الإمام الباقر (عليه السلام) فدخلنا مسجد المدينة والناس تروح وتجي، فقال لي الإمام (عليه السلام): سل الناس هل يشاهدونني ؟ فكنت كلما لقيت رجلاً سألته: هل رأيت أبا جعفر، فيجيبني بالسلب، والإمام (عليه السلام) واقف إلى جانبي وهم لا يرونه. وبينا نحن كذلك إذ دخل علينا أبو هارون وهو أحد أصحاب الإمام المخلصين وقد كان بصيراً، فقال لي الإمام أسأله أيضاً.
فسألت أبا هارون: هل رأيت أبا جعفر ؟
فأجابني: أليس هو واقفاً إلى جنبك ؟
قلت: من أين عرفت ؟
قال: كيف لا أعرف وهو نور ساطع.
وينقل أبو بصير أيضاً: إن الإمام الباقر (عليه السلام) سأل رجلاً من أهل أفريقيا عن رجل من شيعته اسمه « راشد »، فأجاب: انه بخير ويبلغك سلامه.
فقال الإمام: يرحمه الله.
فقال الرجل متعجباً: أهو قد مات ؟
فقال: نعم.
فسأل: متى حدث ذلك ؟
قال: بعد مغادرتك بيومين.
فقال الرجل: انه والله لم يكن مريضاً.
فأجاب: وهل كل من يموت فهو عن مرض ؟
وعندئذ سأل أبو بصير الإمام (عليه السلام) عن ذلك الشخص المتوفى.
فقال الإمام: انه كان من شيعتنا ومحبينا، أتظن انه ليس لنا عيون بصيرة وآذان سميعة معكم، بئس الظن ! والله ما من شيء من أفعالكم يخفى علينا، فاعلموا إننا معكم وعودّوا أنفسكم على فعل الخير وكونوا من أهله حتى تُعرفوا به ويصبح علامة عليكم، وإنّني لأمر أبنائي وشيعتي بهذا المنهج .
يقول أحد الرواة: كنت في الكوفة اعلّم القرآن لإحدى النساء ، فلاطفتها يوماً، ثم قصدت لقاء الإمام الباقر (عليه السلام) فلما لقيته بادرني قائلاً:
إن الله لا يعبأ بمرتكب الذنب حتى في الخفاء، ماذا قلت لتلك المرأة ؟
فأخفيت وجهي من الخجل وتبت، فقال لي الإمام (عليه السلام): لا تعد لمثل هذا.


________________________________________
ـ علل الشرائع للشيخ الصدوق، ج1 ص222، طبعة قم.
ـ الإرشاد للشيخ المفيد ـ طبعة الاخوندي ـ ص246.
ـ الإرشاد للشيخ المفيد ـ طبعة الآخوندي ـ ص246.
ـ المناقب لابن شهر آشوب ـ طبعة النجف ـ ج3 ص329.
ـ بحار الأنوار ج46 ص243، نقلاً عن خرائج الراوندي.
ـ بحار الانوار ج46 ص243، نقلاً عن خرائج الراوندي.
ـ بحار الأنوار ج46 ص247، نقلاً عن خرائج الراوندي.

أخلاق الإمام الباقر (عليه السلام):
كان قد قطن المدينة رجل من أهل الشام وهو يتردّد كثيراً على بيت الإمام(عليه السلام) ويقول له:
« ليس على وجه الأرض ابغض إليّ منك، ولا أشعر بعداوة مع أحد أشدّ من العداوة التي أشعر بها لك ولأهل بيتك ! واعتقد ان الطاعة لله وللنبي ولأمير المؤمنين لا تتمّ إلاّ بالعداء لك، وإذا كنت تراني أتردد على بيتك فذلك لأنك خطيب وأديب وذو بيان رائع! ».
ومع هذا كله كان الإمام (عليه السلام) يعطف عليه ويحدثه بلين ورفق. ومرت الأيام وابتلي الشامي بالمرض بحيث واجه الموت ويئس من الحياة فأوصى أن يصلي عليه أبو جعفر -الإمام الباقر (عليه السلام)- بعد موته .
وفي منتصف إحدى الليالي لاحظ أهل الرجل انه قد قضى نحبه ، فغدا وصيه إلى المسجد صباحاً ورأى الإمام الباقر(عليه السلام) قد فرغ من صلاته وجلس للتعقيب، وكانت تلك عادته، فقال الوصي للإمام: إن ذلك الرجل الشامي قد أسرع للقاء ربه وأوصى ان تقيم الصلاة عليه أنت.
فقال الأمام(عليه السلام): انه لم يمت... لا تتسرعوا وانتظروني حتى أجي.
ثم نهض فجدّد وضوءه وصلى ركعتين ورفع يديه بالدعاء ثم سجد واستمر في سجوده حتى أشرقت الشمس، وعندئذ جاء إلى بيت الشامي وجلس عند رأسه وناداه فأجاب، ثم أجلسه الأمام (عليه السلام) وأسند ظهره إلى الحائط وطلب له شراباً فسقاه إياه وقال لأهله: ناولوه طعاماً بارداً، ثم عاد إدراجه.
ولم يمض وقت طويل حتى استعاد الشامي صحته فجاء إلى الإمام (عليه السلام) قائلاً: اشهد انك حجة الله على الناس... ».
يقول «محمد بن المنكدر » ـ وهو من صوفي ذلك العصر ـ خرجت من المدينة في يوم شديد الحرارة فرأيت أبا جعفر محمّد بن علي بن الحسين (عليهما السلام) عائداً إلى مزرعته من زيارة تفقديّة ـ ويرافقه اثنان من غلمانه أو أصحابه ـ فقلت في نفسي: «رجل من كبار قريش وهو في طلب الدنيا في مثل هذا الوقت ! لابد لي ان أعظه ».
دنوت منه وسلمت عليه فردّ الإمام السلام علي بشدة والعرق يتصبّب من رأسه ووجهه. فقلت له: سلّمك الله أرجل من مثلك يسعى وراء الدنيا في هذا الوقت ! ما هو موقفك لو عاجلك الأجل وآنت على هذه الحال ؟ فأجابني: والله لو وافاني الأجل وأنا في هذه الحال لكنت في طاعة الله، لأنني بهذه الطريقة اغني نفسي عنك وعن سائر الناس، وأني لأخشى أن يغتالني الأجل وأنا متورّط في معصية.
قلت: رحمك الله ظننت أنني سوف أعظك لكنك أنت الذي وعظتني وأيقظتني.


________________________________________
ـ التعقيب: هو مجموعة الأدعية والأذكار التي تقرأ بعد الصلاة مباشرة.
ـ امالي الشيخ الطوسي ـ ص261 ـ الطبعة الحجرية، باختصار.
ـ الإرشاد للشيخ المفيد ـ ص247 ـ طبعة الاخوندي.


الإمام والأمويون
إن الإمام سواء أعاشر الناس أم اعتزلهم واصبح جليس داره فذلك لا يؤثر على إمامته، لان الإمامة كالرسالة منصب الهي، ولا يصحّ للناس ان يختاروا إمامهم حسب رغباتهم.
والغاصبون والظالمون كانوا دائماً ينظرون بعين الحسد إلى منصب الإمامة الرفيع، ويغتصبون الحكم والخلافة ـ التي هي من مختصات الأئمة ـ بأي شكل من الأشكال، ولا يتورعون عن أي جريمة في سبيل تحقيق هذا الهدف.
وقد قارن جانب من مرحلة إمامة الإمام الباقر (عليه السلام) الحكومة الجائرة لهشام بن عبد الملك الأموي. وكان الأمويون ـ ومن جملتهم هشام ـ يعلمون جيداً انهم إذا استطاعوا ان يسلبوا من الأئمة (عليهم السلام) مكانتهم في الظاهر وان يستولوا على الحكم بالظلم والجور فانهم لا يستطيعون أبداً ان يسلبوا منهم تسلطهم على القلوب والأرواح.
وقد كانت عظمة الأئمة المعنوية جذابّة إلى الحدّ الذي أدخلت الرعب في قلوب الأعداء والغاصبين وأرغمتهم على التواضع إمامهم .
ففي أحد الأعوام جاء هشام إلى الحج وكان الإمام الباقر والإمام الصادق (عليهما السلام) ضمن الحجاج، فخطب الإمام الصادق (عليه السلام) يوماً في الحجيج قائلاً:
« الحمد لله الذي بعث محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحق وشرفنا به، فنحن الذين اصطفانا الله من بين خلقه ونحن خلفاء الله {في الأرض}، وقد افلح من اتبعنا وخاب من خالفنا ونصب لنا العداوة ».
يقول الإمام الصادق (عليه السلام) فيما بعد: فنقلوا قولي لهشام ولكنه لم يتعرض لنا بسوء حتى عاد إلى دمشق وعدنا إلى المدينة، فأوعز إلى واليه في المدينة ان يرسلنا انا وأبي إلى دمشق.
فلما وصلنا اليها لم يأذن لنا هشام بالدخول عليه ثلاثة أيام، حتى إذا كان اليوم الرابع دخلنا عليه وهو جالس على عرشه وأصحاب بلاطه مشغولون إمامه بالرمي وأصابة الأهداف.
فنادى هشام والدي باسمه قائلاً له: ساهم في الرماية مع كبار قبيلتك.
فقال والدي: لقد أصبحت شيخاً طاعناً في السن، وانتهى زمان الرماية بالنسبة الي فاعذرني.
فأصر هشام وأقسم عليه إلاّ ان يفعل، وأمر شيخاً من بني أمية ان يناوله قوسه، فتناول والدي القوس منه ووضع فيه سهماً واطلقه فأصاب عين الهدف، ووضع السهم الثاني فيه واطلقه فغرسه في السهم الأول وشقه إلى نصفين، وهكذا فعل في الثالث حيث غرسه في الثاني، والرابع في الثالث، والتاسع في الثامن، فارتفعت اصوات الحاضرين، واضطرب هشام وصاح:
أحسنت يا أبا جعفر ! انك خير رماة العرب والعجم فكيف تتصور ان زمان الرماية قد انقضى عنك... وفي نفس ذلك الوقت اتخذ قراراً بقتل والدي فأطرق يفكر ونحن وقوف إمامه، فطال وقت الوقوف، ولذلك فقد استولى الغضب على والدي، وكان اذا أُغضب نظر إلى السماء وبدا الغضب واضحاً على محياه الشريف، فأدرك هشام غضبه ودعانا إلى الجلوس معه ونهض من مكانه واحتضن والدي وأجلسه على يمينه ثم عانقنيى وأجلسني على يمين والدي وراح يتحدث مع والدي قائلاً:
« ان قريشاً لتفتخر بك على العرب والعجم، سلمت يدك، ممن تعلمت هذه الرماية وكم أنفقت من وقت في تعلمها ؟ فأجاب والدي: أنت تعلم ان أهل المدينة يمارسون الرماية وقد مارستها في فترة أثناء شبابي ثم هجرتها حتى طلبتها مني الآن.
فقال هشام: منذ عرفت نفسي ولحد الآن لم أر ماهراً في الرماية بهذه الرقة والجودة ولا أظن ان أحداً على وجه الأرض يتقنها أفضل منك، فهل ابنك جعفر يتقن الرماية كما تتقنها أنت ؟
قال: اننا نرث «الكمال » و «التمام » كما انزلهما الله على نبيه» (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال تعالى:
(اَلْيَوْمَ اَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاسْلامَ دِيناً).
فالأرض لا تخلو ممن يستطيع النهوض بمثل هذه الأعمال بصورة كاملة.
وبسماع هذه الجمل جحظت عينا هشام واحمرّ وجهه من الغضب واطرق قليلاً ثم رفع رأسه وقال: ألسنا نحن وإياكم من أبناء « عبد مناف »، فنحن متساوون في النسبة إليه ؟
فقال الإمام: أجل لكن الله سبحانه اختصنا بميزات لم يمنحها للآخرين.

فسأل هشام:
« ألم يبعث الله النبي من أبناء عبد مناف لكل الناس أجمعين من أبيض واسود وأحمر ؟ فمن أين ورثتم هذا العلم بينما لن يأتي نبي بعد نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم)، وانتم أيضاً لستم أنبياء ؟
فأجابه الإمام (عليه السلام): لقد خاطب الله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في القرآن الكريم بقوله: (لا تُحَرِّك بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، اِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنهُ ، فَاذَا قَرَأنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنهُ).
فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي تصرح الآية بان لسانه تابع لله قد اختصنا بميزات لم يمنحها للآخرين، ومن هنا فقد أودع عند أخيه علي (عليه السلام) أسراراً لم يكشفها للآخرين، ويقول الباري جلّت آلاؤه في هذا المجال:
(وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): «لقد طَلبتُ مِن الله ان يجعلها اذنك » .
وقال علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الكوفة:
«لقد فتح لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ألف باب من العلم يفتح من كل باب منها ألف باب آخر ».
وكما ان الله تعالى اختص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكمالات معينة فان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً اصطفى علياً (عليه السلام) وعلّمه اموراً لم يعلّمها الآخرين، وعلمنا مكتسب من ذلك المنبع الفيّاض، ونحن وحدنا الذين ورثنا ذلك دون غيرنا.
فقال هشام: ان علياً يدعي العلم بالغيب بينما الله لم يطلع أحداً على الغيب.

فأجاب والدي:
لقد انزل الله كتاباً على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بيّن فيه كل شيء مما يتعلق بالماضي والمستقبل إلى يوم البعث، فهو عزَّوجلّ يقول في ذلك الكتاب:
(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْياناً لِكُلِّ شيْء).
وفي آية اخرى يقول تعالى:
(وَكُلَّ شَيْء أَحْصَيْنَاهُ فِي إمَام مُبِين).
ويقول أيضاً:
(ما فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْء).
وقد أمر الله سبحانه نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يُعَلّم علياً (عليه السلام) أسرار القرآن كلها، وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للامة:
« عَليٌ أقضاكُم ».
فبقي هشام صامتا... وغادر الإمام (عليه السلام) مجلسه.

________________________________________
ـ سورة المائدة ـ الآية 3.
ـ سورة القيامة ـ الاية 16.
ـ سورة الحاقة ـ الاية 12.
ـ سورة النحل ـ الآية 89.
ـ سورة يس ـ الآية 12.
ـ سورة الأنعام ـ الآية 38.
ـ دلائل الإمامة للطبري الشيعي ـ ص104 ـ 106، الطبعة الثانية في النجف. باختصار ونقل بالمعنى في بعض الجمل.


الإمام يحتج على المخالفين
كان عبد الله بن نافع أحد المعادين لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) وكان يقول: لو وجد شخص على وجه الأرض بحيث يستطيع إقناعي بان الحق كان مع علي في قتل « خوارج النهروان » لقصدته وان كان في المشرق أو المغرب.
فقيل له أتظن أن أبناء علي (عليه السلام) لا يستطيعون أيضاً ان يثبتوا لك ذلك ؟
فقال: وهل يوجد في ابنائه عالم ؟
قالوا: ان هذا نفسه دليل على جهلك ! وهل يمكن ان لا يكون في أبناء علي (عليه السلام) عالم ؟!
فسأل: ومن هو عالمهم في هذا الزمان ؟
ودلوّه على الإمام الباقر (عليه السلام)، فقصد المدينة مع اصحابه وطلب هناك مقابلة الإمام (عليه السلام).
وأمر الإمام (عليه السلام) أحد غلمانه ان ينزله مع متاعه ويخبره بانه سوف يقابل الإمام غداً.
وفي صباح اليوم التالي جاء عبد الله وأصحابه إلى مجلس الإمام، وكان (عليه السلام) قد دعا أبناء وعوائل المهاجرين والأنصار، ولما التأم الجمع بدأ الإمام (عليه السلام) حديثه وكان يرتدي ثوباً فيه حمرة وبدا كأنه البدر فقال:
« الحمد لله الخالق للزمان والمكان والكيفيات، والحمد لله الذي ليس له سِنةٌ ولا نوم وله ملك السماوات والأرض... أشهد ان لا اله إلاّ الله وأشهد ان محمداً عبده المصطفى ونبيه المقرب، الحمد لله الذي شرفنا بنبوته واختصَّنا بولايته.
يا أبناء المهاجرين والأنصار: من كان منكم يتذكر فضيلة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) فليذكرها.
فأخذ كل واحد من الحاضرين يذكر فضيلة له، حتى انتهى الحديث إلى « قضية خيبر » فقالوا: ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اثناء الحرب مع يهود خيبر قال:
« لاعْظِيَنَّ الرّايَةَ غَداً رَجُلاً يُحِبُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، كَرّاراً غَيْرَ فَرّار لا يَرْجِعُ حَتّى يَفْتَحَ اللهُ عَلى يَدَيْهِ ».
وفي اليوم التالي سلّم الراية لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد هزم اليهود في معركة مهيبة مثيرة وفتح حصنهم الضخم.
فالتفت الإمام الباقر (عليه السلام) لعبد الله بن نافع وسأله: ما تقول في هذا الحديث؟.
قال: انه حديث صحيح لكن عليّاً قد كفر بعد ذلك وقتل الخوارج بغير حق !
قال الإمام (عليه السلام): ثكلتك اُمك هل كان الله حين أحب عَليّاً يعلم انه سوف يقتل الخوارج أو لا يعلم ؟
ان قلت ان الله لا يعلم فقد كفرت.
قال: كان يعلم.
قال الإمام (عليه السلام): هل كان الله يحبه لانه مطيع له أم لانه عاص ومذنب ؟
قال: كان الله يحبه لانه مطيع له (بمعنى انه لو كان معرضاً للذنب في المستقبل لكان الله عالماً بذلك ولا يصبح محباً له، ومن هنا يُعلم ان قتل الخوارج كان طاعة لله).
قال الإمام(عليه السلام): قم لقد هزمت ولا تملك جواباً.
فنهض عبد الله وهو يتلو هذه الآية:
« حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الاَْبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الاَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ».
إشارة إلى ان الحقيقة قد اتضحت كالصبح، وقال:
« اللهُ اَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ »

________________________________________
ـ سورة البقرة: الآية 187.
ـ سورة الأنعام: الآية 124.
ـ بصورة ملخصة من الكافي: ج8 ص349.


ضرب النقود والدراهم الإسلامية
بأمر الإمام الباقر (عليه السلام)
كانت صناعة الورق في القرن الأول الهجري مقصورة على بلاد الروم. وحتى نصارى مصر الذين كانوا يصنعون الورق فانهم أيضاً يضربونها على طريقة الرومان وبعلامة المسيحية « الأب والابن والروح ».
وكان عبد الملك الأموي ذكياً، فقد لاحظ ورقة من هذا القبيل فتعمق في الشعار المنقوش فيها واصدر أمره حتى يترجم إلى اللغة العربية، ولما عرف معناه استبد به الغضب من انتشار مثل هذه المصنوعات في مصر وهي بلد إسلامي، فكتب إلى عامله في مصر على الفور يأمره ان ينقش شعار التوحيد:
«شَهدَ اللهُ اَنَّهُ لا اِلهَ إلاّ هُو ».
على الأوراق منذ ئذٍ، وعمّم الأمر على سائر عماله في البلاد الإسلامية الأخرى حتى يمحوا شعائر الشرك المسيحي من الأوراق القديمة ويستخدموا أوراقاً جديدة.
وانتشرت الأوراق الجديدة وعليها شعار التوحيد الإسلامي ووصلت حتى إلى بلاد الروم أيضاً وانتهى خبرها إلى القيصر فكتب رسالة إلى عبد الملك يقول فيها:
«ان صناعة الورق كانت دائماً بالعلامة الرومية، فان كان منعك لهذا أمراً صحيحاً فان معنى ذلك ان عمل خلفاء الإسلام السابقين كان خطأ، وان كان عملهم صحيحاً إذن لابد ان يكون منعك هذا مخطئاً، أني مرسل إليك مع هذه الرسالة هدية مناسبة، واحسب ان تترك البضائع المعلّمة بعلامتنا على وضعها السابق، وموقفك الإيجابي في هذا المجال يستدعي شكرنا وامتناننا ».
إلاّ ان عبد الملك رفض تلك الهدية قائلاً لمبعوث قيصر: ان هذه الرسالة لا جواب عليها.
ومرة أخرى يُحالو قيصر إقناع عبد الملك فيضاعف له الهدية ويرفقها برسالة يقول فيها:
« إنني أظن انك قد رفضت الهدية لاستصغارك لها وها أنا ذا مضاعفها وارجو ان تقبلها مع الطلب الذي تقدمت به إليك سابقاً ».
فردّ عبد الملك الهدية ثانية من دون جواب ايضاً.
وعندئذ كتب قيصر إلى عبد الملك :
« لقد رددت عليّ هديتي مرتين ولم تحقق لي رغبتي، وها أنا ذا للمرة الثالثة أرسل إليك هدية مضاعفة بالنسبة إلى ما سبقتها واقسم بالمسيح إذا لم تعد البضائع المعلّمة بعلاماتنا إلى وضعها السابق فانني سوف اصدر الأوامر بسكّ النقود الذهبية والفضية وهي تحمل شتم وإهانة نبي الإسلام، وأنت تعلم ان ضرب السكة من مختصاتنا نحن الرومان، وعند ما تشاهد هذه السكك مليئة بشتم نبيكم فسوف يتصبب جبينك من عرق الخجل والحياء، إذن من الأفضل ان تقبل الهدية وتحقق المطلوب حتى تستمر علاقات الصداقة بيننا كما كانت في الماضي ».
فتحيّر عبد الملك في الجواب وقال:
أحسب إنني أسوء مولود حظّاً ولد في الإسلام حيث كنت السبب في هذا الأمر وهو شتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وأخذ يشاور المسلمين فلم يجد عند أحد منهم حيلة. فقال له أحد الحاضرين: انك لتعرف المخرج من هذا المأزق ولكنك تتعمد في الإعراض عنه.
فقال عبد الملك: ويحك وما هي تلك الطريقة التي اعرفها ؟
فأجابه الرجل: لابد لك ان تطلب حلّ هذه المشكلة من «باقر » أهل البيت (عليه السلام).
فصدّق عبد الملك قوله وكتب إلى والي المدينة:
« ان اشخص إلى الشام الإمام الباقر (عليه السلام) محترماً مكرماً »، واستبقى مبعوث قيصر في الشام حتى وصل الإمام (عليه السلام) إليها وحدّثوه بالموضوع فقال (عليه السلام):
ان تهديد قيصر في مورد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لن ينفّذ، والله سبحانه لن يتركه يفعل هذا الفعل، وطريق الحل سهل يسير أيضاً، فاجمع الآن أصحاب الصناعات وامرهم بضرب السكك وليخطوّا على أحد وجهي العملة سورة التوحيد وعلى الوجه الآخر اسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبهذا نستغني عن مسكوكات الروم.
وشرح لهم الإمام (عليه السلام) ما يتعلق بوزن السكك فقال: لابد ان يكون وزن كل عشرة دراهم من الأنواع الثلاثة للسكك سبعة مثاقيل، وأمرهم بذكر اسم البلد وتاريخ عام ضربها في تلك المسكوكات.
واصدر عبد الملك أوامره لتنفيذ ما قاله الإمام (عليه السلام) وكتب إلى جميع البلاد الإسلامية يأمرهم ان يتعاملوا بالمسكوكات الجديدة، وكل من كانت لديه سكة قديمة فليسلمها للمسؤولين وليستلم مكانها سكة إسلامية، ثم اعلم مبعوث قيصر بما تمّ اتخاذه من إجراء واعاده إلى بلاده.
وأُخبر قيصر بما جرى فاقترح عليه أصحاب بلاطه ان ينفّذ ما هدّد به، فأجابهم قيصر: انني أردت بهذا التهديد ان اغضب عبد الملك، واما الآن فان تنفيذ ذلك التهديد يعتبر أمراً لغواً عبثاً لان البلاد الإسلامية الان لا تتعامل بالنقود الرومية.

________________________________________
ـ ان بعض الباحثين ينسب هذا الموضوع للإمام السّجّاد (عليه السلام)، ويقول البعض الآخر ان الإمام الباقر (عليه السلام) هو الذي اقترحه بأمر من الإمام السجاد (عليه السلام) ومن شاء التوسع في هذا المضمار فليرجع إلى كتاب العقد المنير ج1.
ـ ان قيصر يحاول بهذه المقدمة ان يثير تعصب عبد الملك حتى يقوده إلى تصويب عمل الخلفاء السابقين فيكف عن منع الورق الرومي.
ـ قال الإمام (عليه السلام): لتضرب ثلاثة انواع من السكك: النوع الاول تزن فيه كل عشرة دراهم عشرة مثاقيل، والنوع الثاني تزن فيه كل عشرة دراهم ستة مثاقيل، والنوع الثالث تزن فيه كل عشرة دراهم خمسة مثاقيل. وبهذا الشكل تصبح كل مجموعة مكونّة من ثلاثين درهماً من الانواع الثلاثة تزن واحداً وعشرين مثقالاً، ويعتبر هذا مساوياً للسكك الرومية. وقد أُمر المسلمون بان يسلّموا ثلاثين درهماً رومياً تزن واحداً وعشرين مثقالاً ليستلموا مكانها ثلاثين درهماً جديداً إسلامياً.
ـ «المحاسن والمساوئ » للبيهقي ـ ج2 ص232 ـ 236 ـ طبعة مصر، «حياة الحيوان » للدميري الطبعة الحجرية ص24. نقلنا هذا باختصار وبالمعنى في بعض المجالات.
ملاحظة: لقد لاحظنا في هذه القصة ان المسكوكات الإسلامية قد صيغت وراجعت في زمان الإمام الباقر (عليه السلام) وباقتراح منه، ولا يتنافى هذا مع ما هو وارد في بعض الكتب ان الإمام علياً (عليه السلام) قد أمر بضرب السكك الإسلامية في البصرة فكان بذلك المؤسس لهذه النهضة ، وذلك لانه يمكن الجمع بين هذين بان بدء ضضرب السكك كان في زمان الإمام علي (عليه السلام)، ثم تكاملت هذه الصناعة وشاعت في زمان الإمام الباقر (عليه السلام). ومن أحب مزيداً من البحث حول هذا الموضوع فليراجع كتاب غاية التعديل للمرحوم سردار الكابلي ص16.

أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام)
تربى في مدرسة الإمام باقر العلوم ـ صلوات الله وملائكته عليه ـ تلامذة بارزون ممتازون نشير إشارة عابرة إلى أسماء بعض منهم:
1 ـ « ابان بن تغلب »: وقد حضر مجلس ثلاثة من الأئمة هم الإمام زين العابدين والإمام محمد الباقر والإمام جعفر الصادق:، وقد كان أبان من ابرز الشخصيات العلمية في عصره، وكان متضلعاً في علم التفسير والحديث والفقه والقراءة واللغة.
وكانت منزلته العلمية رفيعة إلى الحدّ الذي أمره الإمام الباقر (عليه السلام) إن يجلس في مسجد المدينة ويفتي الناس، معلّلاً ذلك: بانني أحب ان يرى الناس امثالك بين شيعتنا.
وكلما دخل ابان إلى المدينة تبعثرت حلقات الدرس المنعقدة فيها لتجتمع اليه في مسجد المدينة فتترك له منصة الخطابة التي كان يشغلها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولما بلغ الإمام الصادق (عليه السلام) نبأ وفاته قال:
« أما والله لقد آلم قلبي موت أبان ».
2 ـ « زرارة »: ان علماء الشيعة يعدون ستة رجال هم أفضل من رباهم الإمامان الباقر والصادق (عليهما السلام)، ويعتبر زرارة واحداً من هؤلاء.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام): لو لم يكن « بريد بن معاوية » و « أبو بصير » و « محمد بن مسلم » و « زرارة » لاندثرت آثار النبوة « علوم الشيعة »، فهؤلاء أمناء الله على حلاله وحرامه.
ويقول أيضاً:
«بريد » و «زرارة » و «محمد بن مسلم » و « الاحول » هم أحب الناس إليّ أحياءً وامواتاً.
وقد كان زرارة في حبه للإمام صامداً وصلباً بحيث اضطر الإمام الصادق (عليه السلام) للتظاهر بانه يقدح فيه وينال منه حفاظاً على حياته، وقد بعث إليه سراً: إنني إنما أقدح فيك للتأمين على حياتك فان الأعداء يبذلون قصارى جهدهم لإيذاء من يحبنا ويتمسك بنا، وقد اشتهر عنك انك من محبينا، ولهذا فقد اضطررت للتظاهر بالانتقاص منك.
وقد كان لزرارة حظّ وافر من القراءة والفقه والكلام والشعر والأدب العربيين، وكانت علامات الفضيلة والتدين واضحة عليه.
3 ـ « الكميت الاسدي »: وكان شاعراً راقياً، وقد استخدم لسانه الطلق ونظم شعره العذب الرصين في الدفاع عن أهل البيت (عليهم السلام)، ويعدّ شعره قاصماً لظهور الأعداء وفاضحاً لقبائحهم بحيث قد هُدّد بالقتل مرات عديدة من قبل الخلفاء الأمويين.
وذكر الحقائق ولا سيما الدفاع عن أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك الزمان كان من الخطورة بمكان بحيث لا يجرؤ عليه إلاّ الرجل الشجاع، ويعدّ الكميت من أقوى الشخصيات التي لم تهب الموت في مرحلة الحكم الأموي، وقد أعلى الحق بكل ما يستطيع من قوة واوضح للناس الوجه الحقيقي للأمويين.
ويصف الكميت في بعض اشعاره الائمة الحق في مقابل بني أمية بهذه الصورة:
« ساسة لا كمن يرى رعيـه النا س سواء ورعيـة الأنعـام
لا كعبـد المليك ولا كالوليـد أو سليمان بعد او كهشـام »
ويصف الحاكم الأموي فيقول:
« مصيب على الأعواد يوم ركوبها بما قال، مخطـئ حين ينـزل
كلام النبييـن الهـداة بفيهـم وأفعال أهل الجاهليـة يفعـل »
وكان الكميت مغرماً بحب الإمام الباقر(عليه السلام)، وهو ينسى نفسه تماماً في سبيل هذا الحب، وفي أحد الأيام كان ينشد للإمام (عليه السلام) بعض الشعر الذي نظمه في مدحه، فاتجه الإمام (عليه السلام) نحو الكعبة وردّد ثلاث مرات: اللهم ارحم الكميت، والتفت نحو الكميت قائلاً له: لقد جمعت لك من أهل بيتي مائة ألف درهم.
فقال الكميت: والله لا أريد ذهباً ولا فضة، وإنما أريد منك ان تمنحني واحداً من ثيابك. فاعطاه الإمام ثوبه.
وفي أحد الأيام كان جالساً عند الإمام الباقر(عليه السلام) فأخذ الإمام (عليه السلام) يقرأ هذا البيت من الشعر متذمراً من أوضاع زمانه:
ذهب الذين يُعاش في اكنافهم لم يبق إلاّ شاتم أو حاسد
فأجاب الكميت على الفور:
وبقى على ظهر البسيطة واحد فهو المراد وانت ذاك الواحد.
4 ـ «محمد بن مسلم »: وهو فقيه أهل البيت ومن الأصحاب الأوفياء للإمامين الباقر والصادق (عليه السلام)، وكما ذكرنا من قبل فان الإمام الصادق (عليه السلام) كان يعدّه من جملة الرجال الأربعة الذين خلدوا آثار النبوة.
ومحمد هو من أهل الكوفه وقد قدم إلى المدينة ليكتسب العلم من الإمام الباقر(عليه السلام) (هذا البحر الزاخر)، وبقي في المدينة لهذا الغرض أربع سنين.
يقول: « عبد الله بن يعفور » ذكرت للإمام الصادق (عليه السلام) إنني في بعض الاحيان اتعرّض لاسئلة لا اعرف جوابها ولا سبيل لي للوصول اليك، فماذا أفعل ؟
فدلنّي الإمام (عليه السلام) على «محمد بن مسلم » وقال لي: لماذا لا تسأله ....
وجاءت امرأة في الكوفة إلى دار محمّد بن مسلم ليلاً وقالت: له لقد ماتت زوجة ولدي وفي بطنها جنين فكيف أتصرّف ؟ قال لها محمد بن مسلم: حسب ما أمر به الإمام الباقر (عليه السلام)، لابد من شق بطنها واخراج الوليد ثم تدفن الميتة.
ثم التفت إلى المرأة وسألها:
من الذي دلّك علي ؟
فقالت: لقد ذهبت إلى «أبي حنيفة » استفتيه فاعتذر عن الجواب وأمرني بالذهاب إلى محمد بن مسلم وقال لي: ان افتاك بشيء فأعلميني بالجواب.
وفي أحد الأيام بعد هذه الحاديثة رأى محمد بن مسلم أبا حنيفة في مسجد الكوفة وهو يحدث أصحابه في تلك المسألة ويحاول ان ينسب الإجابة لنفسه. فتنحنح محمد بن مسلم معرّضاً به ففهم أبو حنيفة مقصوده فقال له:
«غفر الله لك لماذا لا تتركنا نعيش ».

________________________________________
ـ جامع الرواة: ج1 ص117 و ص 324 ـ 325.
ـ الشيعة والحاكمون: ص128.
ـ سفينة البحار: ج2 ص496.
ـ منتهى الامال: طبعة عام 1372 هـ. ق. ج2 ص7.
ـ تحفة الأحباب للمحدث القمي ص351 ـ جامع الرواة: ج2 ص164.
ـ رجال الكشي: ص162، طبعة جامعة مشهد.

شهادة الإمام الباقر (عليه السلام)
لقد سقي الإمام باقر العلوم السم واستشهد في السابع من ذي الحجة الحرام عام 114 هجري، وكان عمره عندئذ سبعة وخمسين عاماً وذلك في عصر الحاكم الأموي الجائر «هشام بن عبد الملك ».
وفي ليلة وفاته قال للإمام الصادق (عليه السلام):
« هذه الليلة سوف أرحل من هذه الدنيا، فقد رأيت والدي وهو يحمل إلي شراباً عذباً فتناولته فبشّرني بدار الخلود ولقاء الحق ».
وفي اليوم التالي وري الجسد الطاهر لذلك البحر الزاخر بالعلم الالهي في ثرى البقيع إلى جوار قبر الإمام الحسن وقبر الإمام السجاد (عليه السلام)، صلوات الله وسلامه عليه.
ولنجلس الان على الساحل لنتأمل في نهايات أمواج علمه (عليه السلام) وذلك من خلال الكلمات التالية:
« الكذبُ آفة الإيمان ».
« لا يكون المؤمن خوّافاً ولا حريصاً ولا بخيلاً ».
« ان الحريص على الدنيا مثل دودة القز كلما زادت في لف الشرنقة حول نفسها تعسّر عليها الخروج منها... ».
« إحذروا القدح بالمؤمنين ».
« أحب أخاك المسلم وأحبب له ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها ».
« إذا جاء مسلم إلى بيت أخيه المسلم ليزوره أو ليطلب منه حاجة وكان صاحب البيت في بيته فلم يأذن له بالدخول ولم يخرج للقائه فان صاحب هذا البيت يكون مورد لعنة الله حتى يلتقيا... ».
« ان الله ليحبّ الإنسان ذا الحياء الصبور »
« من حبس غضبه عن الناس حبس الله عنه عذاب القيامة ».
« بئس أولئك القوم الذين يعدّون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر أمراً معيباً».
« ان الله ليعادي عبداً يدخل العدو إلى بيته وهو لا ينهض لمقاومته ».

________________________________________
ـ تراجع الكتب التالية في هذا المجال: الكافي ج1 ص469، وج 5 ص117. بصائر الدرجات ص141 ـ الطبعة الحجرية. تواريخ النبي والآل للتستري: ص40. الأنوار البهية للمحدث القمي ـ الطبعة الحجرية: ص69.
ـ وسائل الشيعة ـ الطبعة الحجرية: ج2 ص233، ج6، ص474.
ـ المصدر نفسه.
ـ المصدر نفسه.
ـ نفس الكتاب السابق: ج2 الصفحات 240، 229، 231، 455، 469.
ـ المصدر نفسه.
ـ المصدر نفسه .
ـ المصدر نفسه
ـ المصدر نفسه .
ـ فروع الكافي: ص343.
ـ وسائل الشيعة: ج2 ص433.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ljfgkidf.yoo7.com
 
سيرة الإمام محمد بن على الباقر عليه السلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سيرة الإمام الحسن عليه السلام
» ثـَورة الإمام الحسَـيْن عليه السلام
» سيرة أمير المؤمنين عليه السلام
» سيرة على ابن الحسين عليهما السلام
» سيرة فاطمة الزهراء عليها السلام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مدونة شيعة مملكة البحرين :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول-
انتقل الى: