البند السابع... وبنود التغيير في العراق
شبكة النبأ: منذ صدور أول قرار أممي ضد العراق عقاباً له على الغزو الذي أمر به الطاغية البائد "صدام" للكويت في 2-8-1990، وضع العراق قدماه على طريق التدمير، حيث بات أشبه بأسير حرب بين أسوار سجن تديره أطرافاً عديدة، وليس طرف واحد، وذلك بسلسلة من القرارات التي أصدرها مجلس الأمن الدولي، على قاعدة "الفصل السابع" من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يعني بحالات (تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان)، وهو الذي جعل العراق عرضةً للخيارات العسكرية في حال عدم التزامه بالقرارات والعقوبات المفروضة، ومن أهم سلبيات هذه المادة في القانون الدولي، أن تُحتجز جميع أموال وممتلكات البلد الموجودة في الخارج، حتى لا يستخدمها ثانية لمغامرات واعتداءات ضد دول الجوار.
كان العراقيون يتوقعون ويحلمون، بأن سقوط نظام الطاغية سيضع حداً لمسيرة التدمير بمعاول القرارات الدولية، لأن هذا النظام وشخص صدام، هو من أمر وخطط وضغط وهدد، وكان المنفذون مهندسون وفنيون وعسكريون. لنتصور أن حوالي عامين مضت على سقوط صدام، وكان منتسبي لجنة التفتيش الدولية للبحث عن أسلحة الدمار الشامل، يتقاضون رواتبهم العالية من أموال الشعب العراقي، فيما كان صدام رهن الاعتقال..! بيد أن هذه المسيرة إن لم نقل أنها مستمرة، فان مسيرة التغيير المفترضة لما بعد نظام صدام، لم تنطلق بعد، رغم المسار الديمقراطي والعملية السياسية الجارية في البلاد.
لمن يتابع بدقة المشهد السياسي الحالي في العراق، يلاحظ انعداماً شبه تام للرؤية نحو مستقبل التنمية والتطور والتغيير في العراق، وإن كانت ثمة رؤية، فانها من المنظار السياسي، وليس الاقتصادي والاجتماعي، وبالاستناد على قواعد بيانات علمية واحصائيات دقيقة، ووضع اليد على الثغرات ونقاط الضعف، ثم القوة للنهوض بالوضع الاقتصادي للبلاد، وتبعاً لذلك تطوير الوضع الاجتماعي، بما يمكن ويمهد لأرضية سياسية صلبة وراسخة يقوم عليها نظام حكم متماسك ذو روابط متينة مع المجتمع. هذه الافتراضات، لم يُحظ بها العراقيون، إنما هم يشهدون تقاسم السلطة والنفوذ بين أحزاب وتيارات وحتى رموز تمثل نفسها..! ولذا نجد أن بعض وسائل الاعلام "المجيّرة"، حاولت الربط بين إخراج العراق من "البند السابع" ، وبين طموح النهضة الاقتصادية والحد من المشاكل والأزمات، حتى خيّل للبعض أن هذا البند من شأنه أن يحدّ من أيادي المفسدين والمرتشين، ويخفض أعداد العاطلين عن العمل، ويخفض الاسعار، ويوفر السكن الواطئ الكلفة ويحسن الخدمات في مقدمتها الكهرباء، وهكذا.
وعندما لم يحصل شيء من كل ذلك، يتأكد لدى الناس، أن هنالك بنوداً لابد من تطبيقها على ارض الواقع، ليخرج العراق من أزماته ومشاكله، قبل التفكير في إخراجه من "البند السابع" أو سائر القرارات الدولية سيئة الصيت، التي ساهمت في تشويه سمعة العراق، وزادت في معاناته اقتصادياً وسياسياً.
أولاً: دوامة الازمات
بات من الواضح أن الحكومة الحالية التي يرأسها نوري المالكي، تتقن فن التعامل مع الازمات، مع الناس، في أمر الخدمات، ومع السياسيين في العملية السياسية، ومع الملفات العالقة ذات الطابع القومي مع الأكراد، وذات الطابع الطائفي مع المناطق الغربية، وهذا النوع من التعامل مع الاوضاع، جعل العراق في نظر الاطراف الاقليمية والدولية، بمثابة دوامة مشاكل وأزمات، لا ينفعها كثيراً خروجه من "البند السابع"، وإلا كان من المفترض غلق هذا الملف منذ سنوات، لا أن تتأخر الكويت في قرارها بإنهاء كل استحقاقاتها الحدودية والمالية من العراق، بما يمهد الطريق أمام مجلس الأمن الدولي، لأن يعلن قراره بهذا الشأن.
لكن في الوقت نفسه، تحولت هذه القضية – البند السابع- الى امتياز يضيفه المالكي الى جملة الامتيازات التي اكتسبها خلال السنوات الماضية لتكريس وجوده السياسي في الساحة، وكانت البداية في التوقيع على إعدام صدام، والثانية؛ انسحاب القوات الامريكية من العراق، ويأتي القرار الدولي، ثالثاً؛ مما يزيد ويعمّق الحالة الشخصانية في الحكم ويبعده عن الحالة الديمقراطية والعمل المؤسساتي، إذ لم يتحقق يوماً للشعب العراقي أن يقف رئيس وزرائه أمامه، ويجيب بشفافية كاملة عن المشاكل والازمات في البلاد واسبابها وطرق حلها.
ثانياً: جذور الفساد
رغم المؤسسات الدستورية واللجان المختصة والهيئات الحكومية المعنية بمكافحة الفساد الاداري، إلا ان المساعي والجهود المبذولة، سواء من تحت قبة البرلمان، او من خلال هيئة النزاهة، وغيرها، لم تمس جذور هذه الظاهرة المقيتة، إنما حصلت ضربات على الفروع والاغصان البعيدة، فافتضح هذا وتم التشهير بذاك، والنتيجة كانت هروب المفسد والسارق لأموال الشعب الى خارج العراق، وبقاء الوثائق الدامغة على الطاولة أو في بطون الادراج.
وكثيراً ما يتم الحديث عن أموال العراق المقيدة في البنوك الاجنبية، وقد جرت "مزايدات وطنية" من قبل البعض على المطالبة بها، إلا ان المراقبين والخبراء الغربيين كانوا ينظرون الى هذه المطالبات بعين الشفقة، ليس على اصحابها، إنما على الشعب العراقي، الذي يسمع فقط من وسائل الاعلام، حالات الفساد في الوزارات ومؤسسات الدولة، لاسيما في مجال الخدمات، بما يخلق التصور في الاذهان، بأن وجود الاموال، وهي بالمليارات، في البنوك الاجنبية، افضل وأكثر نفعاً للشعب العراقي، لحين بلورة رؤية دقيقة ومتكاملة لمشاريع اقتصادية وتنموية توظف تلكم الاموال الطائلة.
أما على صعيد الداخل العراقي، فان الواردات السخية من تصدير النفط، ونظراً لارتفاع الاسعار في بعض الاحيان، يدفع أهل المحاصصة السياسية ليصارع بعضهم بعضاً على الكعكة، وما أكثر وعود رئيس الوزراء، و وزرائه خلال السنوات الماضية، بمكافحة الفساد والمفسدين، وما أكثر حالات الفساد التي حدثت في هذه الوزارات، ولم يتمكن مجلس النواب ولا هيئة النزاهة من مقاضاة أحد، وابرز مثال على ذلك، العشرين مليار دولار التي دخلت وزارة الكهرباء منذ عام 2006 حتى 2013، من دون أن تتحول الى كهرباء مرضية ومعقولة للشعب العراقي.
ثالثاً: مستنقع الاقتصاد
لم تتوضح رؤية اقتصادية محددة خلال السنوات الماضية، بما يمكن العراق من العودة الى مصاف الدول النامية ذات الاقتصاديات المتماسكة والمتطورة، ومن المؤكد أن آبار النفط التي ينام على سطحها العراقيون، هي التي تمد العراق بالحياة، بينما نلاحظ دولاً نامية في الشرق الاوسط وبقاع اخرى من العالم، تفتقر لهذه النعمة العظيمة، لكنها تمتلك برنامجاً اقتصادياً هادفاً ومتكاملاً يجعلها تعيش بأقل قدر ممكن من المديونية والتبعية للخارج.
من هنا نقول: لابد ان يكون الحديث عن الخروج من "البند السابع" مصحوباً بالحديث عن الانتاج الزراعي والصناعي، وتأهيل الأيدي العاملة واجتذاب الرساميل من الداخل والخارج، وقبلها تمهيد الأرضية القانونية لمشاريع استثمار كبيرة وواسعة في العراق. ومن المؤكد أن فرص العمل ستكون مشجعة ومغرية في بلد يملك مقومات التقدم والتطور، حيث الثروة النفطية والمعادن والاراضي الصالحة للزراعة، ووجود المياه العذبة والايدي العاملة. حينئذ يمكن القول: أن الخروج من "البند السابع" مكملاً لخطوات نحو النهضة الاقتصادية والعمرانية. وانقاذ الناس من البطالة والتخلف والتبعية واستنزاف الثورة النفطية بلا طائل.
إن تحديد الرؤية المستقبلية للعراق في ظل التطور الجديد، يُعد أمراً في غاية الأهمية، والتقليل من الهمّ السياسي، وزجّ الشعب في دوامة الازمات الامنية والسياسية، والتوجه نحو التنمية الاقتصادية والتطوير، وهذا لن يكون سهلاً بالمرة، إنما عبر سلسلة خطوات جريئة وشجاعة من قبل حكومة المالكي لتجاوز المصالح الحزبية والفئوية والشخصية، علّ هذا يعوض ما خسره العراق من مليارات الدولارات خلال السنوات الماضية التي تخللها فترة وجود الاحتلال العسكري الامريكي، والفترة الراهنة التي تعمل الجماعات السياسية على إثبات وجودها في الساحة.
شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/تموز/2013 - 22/شعبان/1434